إلى آخر (بزيم)!
يخطئ من يعتقد أو يظن أن الوقت الآن يتطلب القبول بالواقع (بعجره وبجره) كما يقال وبالأخطاء والهفوات أياً كانت لتجاوز المرحلة الراهنة بكل تحدياتها ومخاطرها الاقتصادية؛ فالسكوت هنا ليس لمصلحة البلد كما يروج له، فالكل يعلم أن جر احتجاجات الناس على واقعهم الحياتي إلى ضفة عدم الإحساس بالمسؤولية الوطنية والاستجابة لرغبات قادمة من وراء البحار بعد سنوات من الصمود.. لا يحقق أي عائدية معنوية أو اقتصادية على المجتمع السوري، بل على العكس يطعن في المعنويات ويهدم جسور الثقة ويغلق قنوات التواصل بين المواطن والجهات المعنية التي عليها مضاعفة الجهد والبحث عن أساليب وأدوات عمل جديدة تخفف من وطأة الأزمات على الشارع، بدلاً من الإمعان في محاولات تجميل الواقع والتنقيب عن الإيجابيات بما يفقد المصداقية الإعلامية بخطابات جوفاء ليس فيها أي نبض حياتي، وهذا الكلام من وحي الفكر الراقي والمسؤول الذي يرى (أي خلل في الدولة هو فساد؛ فهدر الأموال العامة وضرب المؤسسات وتراجع نوعية الخدمات المقدمة هي أوجه للفساد تؤدي إلى تعميم ثقافة الإحباط والفوضى وعدم الانضباط لدى المواطنين؛ ما يعني عملياً تفتيت المجتمع).
وبالعودة إلى مصطلح “الأولويات” الذي شاع استخدامه وخاصة ضمن استراتيجية السياسة المالية التي تبنت نظرياً توجيه الإنفاق بما يضمن استمرار توفير متطلبات الحياة والخدمات الأساسية للمواطن بالاعتماد على الذات.. نسأل ما هو مصير هذه الأولويات التي لم تعرف طريقها بعد إلى أجندة العمل الحكومي.؟ ولماذا تسجل حاجات المواطن وأزماته في الغاز والمازوت والبنزين والخبز والكهرباء في خانة الحرب والظروف الاستثنائية والحصار، بينما بوابات الهدر والنفقات تبقى مفتوحة على مصراعيها وضمن الحالة الوظيفية الوطنية المثلى.؟
وإذا اعتبرنا أو توافقنا (مجازاً) مع كلام وزير المالية بأنه ليس هناك جائع في بلدنا؛ فهذا لا يعني أنه ليس هناك مئات الآلاف من الفقراء باتوا تحت خطوط الفقر الدنيا، فأصحاب الدخل المحدود باتوا أكثر فقراً وحاجة وأقل قدرة على مواجهة تقلبات الدولار، وطبعاً القضية هنا لا تأتي في إطار تسجيل النقاط على السياسة المالية أو لإثارة الرأي العام، بل على العكس تماماً، وبكل لباقة نقول أمام محنة شعب صمد وضحى في سبيل بلده لابد من مكاشفته بالحقيقة والاعتراف بالواقع ودعوته لتحمل المسؤولية وتجاوز هفوات التصريحات والقرارات وفرملة تداعياتها المختلفة.
ولاشك في أن ظروف اليوم أصعب من ذي قبل، والمواطن يعي كافة الأحداث الدولية ويدرك قضية تراجع الموارد وارتفاع نسب العجز خلال سنوات الحرب نتيجة التخريب الذي تعرضت له المنشآت وتوقف نسبة كبيرة منها عن العمل، ولكن ما يحير هو إخفاق مساعي السياسة المالية في توجهها إلى إصلاح القطاع العام الصناعي وتطوير القطاع الزراعي وتحقيق العدالة الضريبية، والحفاظ على توازن سعر الصرف واستمرار تدفق الكماليات بمختلف أنواعها من بوابة الاستيراد وقاطرات الشحن التي تحمل مع مئات السيارات الجديدة إشارات استفهام حول إجراءات الحفاظ على القطع الأجنبي لصالح المواد الرئيسية.
الموضوع باختصار ليس مواطناً وحكومة، أو تطاولاً، بل مواجهة بين حياة معيشية منهكة وقصور إجرائي وفكر اقتصادي مترنح استسهل تجربة شد أحزمة الإنفاق والتقشف الشعبي إلى آخر (بزيم).. الحرب مستمرة؛ ولذلك لابد من التطبيق الحازم لسياسة ترشيد صحيحة ومتوازنة وخالية من الاستثناءات.
بشير فرزان