ثقافةصحيفة البعث

القصة القصيرة جداً.. في الجرة بحر

على اسم الكلمة سيدة الخط نلتقي والكلمة حكاية منها التكوين وفي رحاب “شآم والقلم” نلتقي ونصغي لعل في الإصغاء ملاذا، هذا ما بدأت به د. زينب حسين مديرة الندوة الثقافية التي أقيمت في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- تحت عنوان “القصة القصيرة جداً في الجرة بحر”.

ساحة حرة

وللقصة القصيرة طابع تجريبي وآخر تأصيلي، وبهذا الخصوص قدمت أستاذة الأدب العربي المقارن في جامعة الفرات د. مانيا بيطاري بحثاً بعنوان “سيوسولوجيا القصة.. إضاءة على الظلال الجمعية” يحكي تاريخ القصة القصيرة وامتدادها في جذور الثقافة العربية والإسلامية، حيث قالت:

من المعروف أن القصة القصيرة جداً ساحة حرة للتجديد فمهما حاول النقاد تأكيد طابعها التجنيسي بغية تأسيس قواعد ثابتة لها، إلا أنه لها طابع تأصيلي وآخر تأهيلي في محاولة دؤوبة لاستفهام خصائص الكتابة القصصية في القص العربي من جهة، والإفادة من تقنيات التراث في الكتابة، ومهما تعددت محاولات التجنيس والتأصيل فإنها تبقى على قيد التعليق الجمعي حول حالات فردية، فالقصة القصيرة جداً حاجة ملحة لعصرنا المتسارع ولن تحقق هذه هدفها إلا بالتمثيل المقدس أي التعليق الجمعي وهو أصل نشأتها الذي تتطور به.

البحر في الجرة

كما أن الإبداع لا يحتاج لمن يشرع له إلا استمراريته وحركته التي لا بد أن تكون في اتجاه تصاعدي، وعن القصة القصيرة جداً تشريع أم لم شمل قال الأديب علي الراعي:

للقصة القصيرة جداً جذورها البعيدة في مدونة السرد في مختلف مناطق العالم ولذلك واهم من يدعي اليوم أنه اكتشف الغابات البكر، ويمكن للمهتم أن يقرأ نصوصاً كاملة الملامح وبالمعايير الحديثة للقصة القصيرة جداً في النصوص السورية القديمة، ومن يعود اليوم لأمثولات “إيسوب” في الزمن اليوناني القديم، فإن تلك الأمثولات الأسطورية التي سردها على ألسنة الحيوانات والطيور هي نصوص قصة قصيرة جداً كاملة المعايير الفنية، وفي الأزمنة الحديثة فقد شدد أرنست همنغواي على الكتّاب سنة 1944 في إحدى المنتديات الأدبية بقوله لهم: اكتبوا قصة بست كلمات، ومنذ زمن مبكر جداً اشتهر الكاتب الروسي أنطون تشيخوف بكتابته للقصة التي تتألف من واحد وخمسين كلمة “قصة الثروة مثلاً” وإلى اليوم يعتبر النقاد الكاتب الغواتيمالي أوغستو مونتيروسو (1921-2003) أنه صاحب أقصر قصة في العالم: “حين استيقظ كان الديناصور لا يزال هنا” وهي قد تكون بغير مسمى لكن الأكيد أنها أمست اليوم فناً عالمياً، هي المايكرو في الولايات المتحدة الأمريكية وهي الفلاش باك في أمريكا اللاتينية وفي روسيا هي النمنمات وهي قصة الكف في الصين.

ويضيف الراعي: أسوق هذا البعد التاريخي للقصة القصيرة جداً لأجيب بعد ذلك هل يحتاج هذا النوع الإبداعي لـ”تشريع”؟، أما مسألة “لم الشمل” فيمكن للمرء أن يقف عند تجربة رابطة القصة القصيرة جداً في سورية وغيرها من الروابط التي لها أسباب تشكلها وذلك نظراً لندرة المنابر المحلية التي تحتفي بالإبداع، كما لم تتوفر إلى اليوم في سورية دور النشر التي تحتفي بالمبدعين وتنشر نتاجهم أياً كان نوع الإبداع، فما بالك بجنس القصة القصيرة جداً الذي يعامل معاملة اللئام للأيتام في دور الثقافة العامة لاسيما في اتحاد الكتاب العرب.

ووفرت الرابطة للقصة القصيرة جداً فضاءات رحبة سواء الالكتروني أو في الميدان من خلال النشر الورقي والصحفي نصوصاً ونقداً وملتقيات، فعلى الفضاء الالكتروني كان ثمة صفحة فيسبوك باسم “رابطة القصة القصيرة جداً في سورية” وعلى أرض الواقع أقامت الرابطة الكثير من التظاهرات والملتقيات والأماسي، توج كل ذلك بإصدار كتابها الدوري الأول “أشرعة من ضوء” الذي سيكون دورياً بمثابة الكتاب السنوي الذي يحتفي بأفضل نصوص أعضاء الرابطة.

وعن التجارب الأخرى في مسألة “لم الشمل” قال الإعلامي الراعي: يوجد تجربة مجموعة الهردابية التي يديرها د. زهير سعود، وقد أصدرت كتابها الدوري السنوي “لوحات مشرقة”، وهناك الملتقى السوري للنصوص القصيرة “هايكو وقصة قصيرة جداً” الذي يقيم ملتقيات دورية لهذين الجنسين الإبداعين في أكثر من محافظة.

أدبيات

وحين نتحدث عن أدبيات القصة القصيرة جداً فإننا نعني بالتحديد كيفية استقبالها في النقد والخطاب النقدي والممارسة النقدية، فهل كان النقد على مسافة واحدة من ذلك النوع في الجنس؟ ولماذا أثار النقد سؤالا إشكاليا بخصوص هذا الجنس؟ وعن “أدبيات القصة القصيرة جداً” قدم الناقد أحمد هلال رؤيته إذ قال:

ذهب النقد لهذا النوع من الجنس الأدبي باتجاهين التأصيل والتقعيد، ووصفت الدراسات الخاصة بالقصة القصيرة جداً بأنها قصة الحالة والزمن والواقع والراهنية في حين نظر البعض الآخر إليها نظرة متشددة، ومن جهة أخرى صدرت عدة كتب حاولت البحث في خصائص القصة القصيرة جداً وكانت النتيجة أنها خالية من المنهج تماماً. وفي الحقيقة يخلق المبدع القواعد على الدوام وعلى الناقد مواكبة هذا الإبداع واقتراح قواعد جديدة.

وتخللت الجلسة قراءات من “ق.ق.ج.” شارك فيها كل من كليمانس دلا، خضر الماغوط، أحمد عموري، قتادة الزبيدي، عبد الله نفاح، أحمد رزق حسن.

جمان بركات