“اليوم الأخير”.. شهادة عن الحرب بتعبيرات الجسد
في العرض المؤسس على خبرات التشكيل الحركي ومأثرة المونودراما، للمشاركة بمهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي 2019، قدمت الفنانة والممثلة مروة الأطرش شهادتها عن الحرب بتعدد الأصوات وبتعبيرات الجسد مضايفة له كلمات افتتاحية دالة، كيف تستطيع أن تكتب ولعل الثيمة المسرحية في المونودراما سوف تجهر بانفتاح فضاءات العرض على أسئلة الحرب، بوصفها أسئلة الوجود والموت والعدم والانعتاق والخوف والفرح الملتبس، كل ذلك سيعني أيضاً محاولتها على أن تحتفي بعيد ميلادها، مختزلة حكايات حيوات بلغة تعبيرية حايثتها الموسيقا التصويرية بدرجات تتصاعد لتؤلف فضاء الصورة الكلية، وما يعنيه التشكيل هنا سينوغرافيا وموسيقا وأداء تعبير احترافي، إشراف الفنان القدير ممدوح الأطرش، وإخراج الشاب الموهوب يزن الداهوك، هو ذلك الفضاء المسرحي الذي شغلنا أبداً بوصفه المعادل الجمالي والرؤيوي لما نكابد ونعيش، إذ تقدم مروة الطالبة الجامعية شهادتها مندغمة بخبراتها الجمالية ليس فقط في الأداء التعبيري، وإنما في تطييف الحالة وجعلها ناطقة باسم الوجع والسعي للانعتاق، ذلك ما يتطلبه درس الفن وأكثر من ذلك المضايفة الخلاقة لتأثيث صورة تجهر بالواقع لكنها تفارقه، إذ الرؤيا هنا تتسع لانفتاح التأويل على قراءة النص المسرحي بعتباته ومستوياته ودالاته البصرية، من الجدار الأخير إلى العتمة/ الخيبة، إلى الكاميرا المحايدة التي ينبغي لها أن تلتقط الرسالة وتدونها في ذاكرتها إلى اللعبة/ الرمز، التي يخاطب عبرها الواقع ذاته من أجل تجاوزه أو امتصاصه.. واقع الحرب وأسئلته الجارحة والشديدة الحساسية في اللحظة السورية الفارقة، وما يعنيه العرض للمتلقي هنا هو تشكيل معنى في أسئلة لن تبقى حبيسة الشفاه، بل ستتجاوز إلى تشكيل وعي جمعي وذائقة جمعية بالهوية، كيف تتشكل في مقابل الموت والنقص والخسارة، وفي مقابل استعادة الفرح المسروق وعلى الخشبة التي ستصبح مسرحاً حياتياً نابضاً بكل البوح، بوح الجسد وبوح الكلمات المقتضبة في تداولها الشفوي، لئن تصبح ترجمان حيوات ناهضة للتو من نير الحرب وظلالها السوداء.
نص مسرحي مسكون بالحدوس، وبشبكة من المضمرات المجتمعية التي تحاكي احتدامات الحرب وتأثيرها على ذواتنا، وبكثافة ما تعيد الفنانة مروة الأطرش إنتاجه عبر الميزانسين وفرادة المونودراما، الفن الذي لا يعني سوى الخصوصية والفرادة في التحدي والاستجابة والارتقاء إلى خلاصة الهواجس والمكابدات، والجهر بما يعتري الذات من ألم ستكون ترجمته إيقاعاً متناوب الحركات بالممكن الجمالي والتعبيري الذي يطلق الجسد/النص، في فضاء مسرحي سيكون الجميع شركاء فيه داخل وخارج الخشبة، وحيث تجترح (المونودراما) كل أسئلتها التي تجهر بثقافة الممثل الفنان، وبحيوية الأداء ودينامية المشهد، فإنها تضيف لثقافة التلقي أبعاداً معرفية بالضرورة، فكل قراءة تشكيل لها، حتى تندغم الرؤية بالرؤيا، ليس في سياق الفرجة المسرحية، بل في سياق التأويل المسرحي لوقائع بعينها محمولة على نزفها الحاد تحت جلد الكلمات، لتصبح الصرخة صوتاً آخر يؤثث العرض، إنها صرخة الحياة في مقابل الموت، لتغدو في الكثافة التراجيدية ما يتصادى في وعي السوريين، وما يحمل يومهم إلى غدهم.. تلك رسالة العرض المحمول على زخم تعبيري-تجريبي، مترع بما يعني اللحظة والتقاطها والتنويع عليها.. إنها تعبير المعنى في زمن الحرب، نشيداً للخلاص أبعد من محاكاة بعينها، إلى اجتراح قوة المثال في مواجهة ما حدث ويحدث وسوف يحدث.
مونودراما اليوم الأخير، عن البطولة الفردية كيف تصبح بطولة جماعية من النص إلى الجمهور، نص مشغول بزخم التجربة وممكناتها الجمالية واختماراتها الواعية، كقيمة مضافة إلى المسرح الشبابي وأسئلته الناهضة بوصفها أسئلة المستقبل.
أحمد علي هلال