تقرير إخباري أمريكا تزعزع الاستقرار العالمي
ليس من المفاجئ أن تحشد الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة في العالم، الدعم الدولي، وتجبر الدول الأخرى على الانحياز لها عندما تبذل قصارى جهدها في قمع نفوذ الصين المتصاعد عالمياً، ولكن عندما يتمّ إجبار الدول على ذلك، فمن الطبيعي أن تتصدّى لذلك الضغط.
فقد قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لدبلوماسيين أمريكيين إنه يريد أن تكون بلاده “محايدة مثل النمسا” بمواجهة سعي الولايات المتحدة إلى فرض نهج أكثر صرامة على الصين وروسيا – وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال – وقد كان أوربان قد أعرب عن موقف العديد من البلدان، ليس فقط في أوروبا الشرقية، ولكن في أجزاء أخرى من العالم أيضاً.
في الواقع أدى صعود الصين إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم على مدار 40 عاماً إلى زيادة نفوذها الاقتصادي والسياسي، وفي الوقت الذي تحاول فيه الصين الترويج لمشروعها في التنمية والتعاون على الساحة العالمية، ترى الولايات المتحدة أن هذا يشكّل تهديداً للنظام العالمي الذي تقوده وعلى مجال النفوذ الذي تتشبث به منذ فترة طويلة.
وشكّلت هذه العقلية سياسة واشنطن تجاه الصين بدعوتها إلى التوتر والمواجهة بين القوتين العالميتين. ونتيجة لذلك، فإن الرسالة الموجّهة إلى البلدان الأخرى هي أنه يتوجب عليها اختيار جانب معين، وجنوب شرق آسيا من إحدى المناطق التي أجبرت على تحقيق هذا التوازن الدقيق، ففي مقابلة مع محطة “سي إن بس سي” في عام 2017 وخلال مؤتمر قمة الآسيان في سنغافورة في تشرين الثاني 2018، أكد رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ أن بلاده لا ترغب في اختيار أي من الحالتين.
ولهذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك أن تعاون الدول الأخرى مع الصين لا يعني إنكارها النفوذ الأمريكي. وعلى المنوال نفسه، لا يعني أن موقف رئيس الوزراء الهنغاري أوربان اختار أن يقف إلى جانب الصين، ولكنه اعتراض على فرض الخيار بين الولايات المتحدة والصين.
وفي الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بتعزيز مجال نفوذها وانغماسها في عقلية الحرب الباردة، فإنها تعمل كعنصر مزعزع للاستقرار، وتخلق الانقسام في العالم، ومثل هذا الانقسام لا يفيد التنمية العالمية أو الإقليمية، ومن المفترض أن تعمل أمريكا على تطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة، ولكن ليس بغرض بناء تحالفات أو شراكات في مواجهة قوى أخرى، وإذا كانت الولايات المتحدة قلقة من أن حلفاءها يبتعدون عن فلكها، فيجب عليها أن تترك لهم مجالاً كافياً لاتخاذ اختيارات مستقلة، لكن النهج الأمريكي يفعل نقيض ذلك تماماً.
لن تكون الصين من المتفرجين في مسار العلاقات الدولية، ولن تتبنى المواجهة مع أمريكا، فهي لم تطلب من بلد مواجهة بلد آخر، ولم تشكل أي تحالف لمواجهة الولايات المتحدة أيضاً. بدلاً من ذلك، استخدمت الصين التنمية والتعاون لجسر الانقسام الذي تخلقه الولايات المتحدة.
عناية ناصر