تحقيقاتصحيفة البعث

تمتلك الحصرية في شحن بضائع القطاع العام مؤسسة النقل البحري.. أسطول متواضع وتعاميم تعزز تشغيله وإيرادات تصل إلى 2.7 مليار ليرة

رغم ما حققته المؤسسة العامة السورية للنقل البحري من مؤشرات إنتاجية، وإيرادات، وعائدات اقتصادية مضاعفة خلال العام الماضي كادت أن تصل عتبة ثلاثة مليارات ليرة، إلا أن هذا المرفق البحري الملاحي الاقتصادي الأساسي المحاصر بالعقوبات الغربية الجائرة في ظل الحرب العدوانية الكونية وآثارها وأضرارها لم يكن بمنأى عن تحديات وصعوبات محلية المنشأ لم تكن في الحسبان، وهي صعوبات ناجمة عن عزوف الكثير من مؤسسات وشركات القطاع العام عن التعامل مع منظومة شحن المؤسسة، والاستعانة بسفنها لنقل بضائعها، متجاهلة مرسوم إحداث المؤسسة، وحزمة من التعاميم والبلاغات والقرارات الحكومية التي تمنح مؤسسة النقل البحري الحصرية في شحن بضائع القطاع العام، وتعدّها مؤسسة مرجعية في منظومة النقل البحري كونها مؤسسة قطاع عام أولاً، ولأجل تأمين الطاقة الإنتاجية والتشغيلية لأسطول المؤسسة، لاسيما في ظل آثار وتداعيات ظروف الحرب والأزمة الراهنة.
ناقل حصري
ومما يدعو للاستغراب والتساؤل ألا تنعكس تعاميم وبلاغات الحصرية المفترضة على استقطاب الحمولات التي يعوّل على شحنها على سفن مؤسسة النقل البحري، ما كان يسهم في تضاعف الطاقة الإنتاجية، لاسيما في ظل الظروف الراهنة، وما واجهه قطاع النقل البحري من أضرار وخسائر، ومن الطبيعي جداً أن تعوّل المؤسسة على شحن البضائع كثيراً، إلا أن مؤسسات القطاع العام التي ترد بضائعها عبر المرافىء لاتزال حركة شحن بضائعها خارج سفن مؤسسة النقل البحري رغم صدور تعميم من رئاسة مجلس الوزراء، وكان من المنتظر أن تتجاوب الجهات العامة مع هذا التوجه، لاسيما أن المؤسسة أنجزت خطوات هامة ومتسارعة في إعادة تأهيل كوادرها وتجهيزاتها لأجل أن تكون لها حصتها من أحجام البضائع المنقولة، ناهيك عن تقديمها العديد من المزايا والخدمات للجهات صاحبة البضائع، إلا أن حساباتها المؤسساتية لم تنسجم مع حسابات السوق ومعطياتها، ما يضعها أمام تحديات إنتاجية واقتصادية، ويزيد من صعوبة تحصيل إيرادات وعائدات تغطي احتياجاتها، ومستلزمات عملها الضرورية، كما ينعكس هذا كله على كبح مشروعات التطوير والتأهيل والتوسيع المستقبلية، بالتزامن مع التعافي التدريجي لقطاع النقل البحري.

جاهزية إنتاجية وفنية
ولأجل استجلاء الواقع الإنتاجي الراهن لمؤسسة النقل البحري، ودورها، وجاهزيتها الفنية والتقنية، وأهم مشروعاتها التطويرية، التقت “البعث” مدير عام المؤسسة العامة السورية للنقل البحري المهندس حسن محلّا الذي ركّز على المهام والأعمال المنوطة بالمؤسسة منذ تأسيسها، مبيّناً أن المؤسسة العامة السورية للنقل البحري منذ تأسيسها بموجب القانون رقم 88 لسنة 1959 تحت اسم “الهيئة العامة لشؤون النقل البحري” كانت تختص برسم السياسة العامة للتخطيط الملاحي للدولة، ودعم الملاحة البحرية والنقل البحري، وتم دمجها عام 2000 مع شركة الملاحة البحرية السورية بموجب المرسوم التشريعي رقم /410/ الذي حدد المهام التي تتولاها، ومنها: ممارسة أعمال النقل البحري، بما فيها حجز الفراغات لشحن البضائع لصالح الجهات العامة والقطاعين المشترك والخاص، سواء على السفن المملوكة للمؤسسة، أو المستأجرة من قبلها، ولها عند الضرورة أن تعهد لسفن أخرى بنقل البضائع المحجوزة للشحن على سفنها.
ولفت المهندس محلّا إلى أن من مهام المؤسسة تملّك واستئجار السفن التجارية للقيام بعمليات النقل البحري، ونقل الركاب، ودعم الأسطول الوطني، ولها في سبيل ذلك اتباع الوسائل الممكنة كافة، وفي المرسوم التشريعي رقم /450/ لعام 2004 الذي حدد دفتر الشروط العامة لنظام العقود الموحّد، جاءت المادة الثالثة منه لتؤكد على حصرية نقل المواد المتعاقد عليها بطريق البحر (لصالح الجهات العامة) عن طريق المؤسسة العامة السورية للنقل البحري، أو بموافقتها.

ثلاث سفن لشحن البضائع
وعن أسطول المؤسسة قال مديرها العام: تمتلك المؤسسة ثلاث سفن حديثة هي: السفينة سورية، وهي سفينة بضائع عامة ومثقلات بحمولة تقريبية 13000 طن، والسفينة لاوديسيا، وهي سفينة بضائع عامة ومثقلات بحمولة تقريبية 13000 طن، والسفينة فينيقيا، وهي سفينة بضائع سائبة بحمولة تقريبية 19000 طن، مؤكداً أن المؤسسة العامة السورية للنقل البحري هي جزء من سوق النقل البحري العالمي، حيث تقوم بالتنسيق مع الشاحنين، وأصحاب البضائع، والوكلاء، والوسطاء، والسلطات المرفئية، وغيرها من أطراف النقل البحري، وتقوم المؤسسة بعملها وفق القوانين البحرية الدولية، ووفق متطلبات المنظمة البحرية الدولية IMO، والهيئات والمؤتمرات المتفرعة عنها، ووفق متطلبات هيئات التصنيف العالمية، وشروط أندية التأمين والحماية.

خطة لتوسيع أسطول المؤسسة
وعن الخطط المستقبلية لدعم وتطوير إنتاجية المؤسسة وتوسيع أسطولها يقول المهندس محلّا: انطلاقاً من أهمية الحفاظ على الدور التاريخي للمؤسسة في رفد ودعم الاقتصاد الوطني، تسعى المؤسسة جاهدة لوضع الخطط، وامتلاك أدوات تنفيذها، حيث تضع نصب أعينها خطة زيادة الأسطول التجاري المملوك من قبلها، والتنوع في السفن: تجارية– عبّارات– سفن رحلات..”، تماشياً مع متطلبات السوق البحري، وحفاظاً على مقومات التنافسية، كما تضع في خططها المستقبلية مشروع دراسة حوض لصيانة السفن على الساحل السوري، وتسعى دوماً لتدريب وتأهيل كوادرها: (إدارة– ركب مبحر)، تماشياً مع التطورات العالمية في مجال التدريب والتأهيل البحري، سعياً منها للحفاظ على مستوى خدمات النقل التي تقدمها، ورفع سويتها مستقبلاً.

2,7 مليار ليرة إيرادات
وحول الخطة الإنتاجية المنفّذة، والإيرادات المحققة في العام الماضي، ذكر مدير عام المؤسسة أن إيرادات المؤسسة تجاوزت العام الماضي 2,7 مليار ليرة، وبطاقة إنتاجية منفّذة من البضائع المشحونة على متن سفن المؤسسة قدرها 247748 طن بضائع، بزيادة واضحة عن الإنتاجية المخططة البالغة 180000 طن، حيث بلغت نسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية 137%، مع الإشارة هنا إلى أن المؤسسة تغطي كامل احتياجاتها ونفقاتها ومستلزماتها من تمويلها الذاتي.

مشاريع استثمارية وإنتاجية
تتعدد المشاريع الاستثمارية والإنتاجية والفنية التي اعتمدتها مؤسسة النقل البحري في خطتها لعام 2019، وتشمل الخطة الاستثمارية، حسب ما أوضحه المهندس محلّا، عدة محاور أهمها إجراء عمرات لسفن المؤسسة حفاظاً على جهوزيتها الفنية والملاحية والبحرية العالية وفق المتطلبات البحرية العالمية، ومن المشروعات المدرجة على رأس الأولويات الاستمرار في تدريب وتأهيل الكوادر حفاظاً على الأداء النوعي، والكفاءة العالية بما ينطبق ويحقق معايير ومواصفات التصنيف البحري العالمي، ومن المشروعات الاستراتيجية الحيوية مشروع دراسة إنشاء أحواض لبناء وإصلاح السفن على الساحل السوري، ومشروع شراء سفينة رورو بالتنسيق مع اتحاد المصدرين لدعم الصادرات الوطنية، أما المشاريع الاستراتيجية المستقبلية التي تشكّل أولوية تطويرية للمؤسسة فهي زيادة الأسطول المملوك من قبل المؤسسة وفق معايير ومواصفات سوق النقل البحري العالمي، ووفق توجهات الحكومة.

حصار جائر
وحول ما يواجه مؤسسة النقل البحري يعرض مديرها العام لأهم هذه الصعوبات والتحديات، وفي مقدمتها الصعوبات والآثار والتبعات الناجمة عن العقوبات المفروضة على المؤسسة وسفنها، وخاصة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية عام 2015 التي أدت إلى مقاطعة العديد من شركات التأمين العالمية، والشركات التجارية، والشركات الصانعة والمورّدة لقطع الغيار والتبديل، وشركات تزويد الوقود، وهذا أثّر بشكل واضح على توسيع الطاقة الإنتاجية، وعلى تأمين المستلزمات والاحتياجات الضرورية للارتقاء المستمر بالمؤشرات والعائدات قياساً على فاعلية وإمكانية وطاقة المؤسسة في سوق النقل البحري العالمي.
ومن العقبات التي تعترض المؤسسة صعوبة التحويلات المصرفية، لاسيما تحويل أسعار القطع والمستلزمات، وأيضاً صعوبة ناجمة عن ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب زيادة العمولات نتيجة اضطرار اللجوء إلى الوسطاء والوكلاء والحلقات الوسيطة في تأمين المستلزمات الضرورية للسفن، وأيضاً في إجراء عمليات التحويل المالية، أما الصعوبة التي تحدّ من أحجام الشحن والنقل قياساً على طاقة عمل مؤسسة النقل البحري فتكمن في عدم التزام العديد من مؤسسات القطاع العام بالمرسوم 450 لعام 2004، وبالتعاميم ذات الصلة، بما يخص حصرية نقل وشحن بضائع القطاع العام بحراً عن طريق المؤسسة، أو بموافقتها، مبيّناً أن الكثير من شركات ومؤسسات القطاع العام تهرب من نقل بضائعها عن طريق مؤسسة النقل البحري رغم وضوح التعاميم والبلاغات والتعليمات التي تلزمها باعتماد المؤسسة لنقل بضائعها، وبيّن المهندس محلّا أن المؤسسة تعمل حالياً على صياغة قانون متكامل للركب المبحر بالتنسيق مع غرفة الملاحة البحرية السورية، وذلك وفق القوانين والأنظمة البحرية الدولية المعمول بها.
مروان حويجة