جبران هداية.. العاطفة مرسومة على البطاقات
افتتح في صالة عشتار للفنون الجميلة معرض الفنان جبران هداية بحضور لفيف من أصدقائه ومحبي أعماله، وقد سبقت المعرض حملة دعاية “فيسبوكية ” ترحيبية واحتفائية، فالفنان هداية من الأسماء الحاضرة في المشهد التشكيلي السوري لما تتصف أعماله من عذوبة ورقة مواضيعها التي تتمحور حول المرأة والطبيعة الصامتة، ورسم الورود عبر مناخات لونية عذبة تتصف بالبرودة واللطف، كما تتميز لوحته بالخبرة التقنية العالية التي تقارب حد الطباعة، إضافة إلى القيم الفارقة في استعراض أهمية الضوء في اللوحة والظل والنور من خلال تدريجات اللون الفاتح الذي منح اللوحة حالة طهرانية وقدمت المشهد المعبأ بمشاعر العزلة والانتظار والعشق، هذه الحالات الإنسانية مادة الفنان وميدانه، فهو يؤلف موديلاته ويضعها في أمكنتها اللائقة حيث ستائر الضوء وبعض من الأزهار الباذخة، إضافة لبعض المفردات مثل القناديل والمصابيح القديمة والأقمشة الحريرية والملونة والنوافذ والغاية حشد المشهد ببعض العناصر الداعمة بدلالاتها التزيينية التي تجعل من هيبة المكان جزءا من الحالة الإنسانية الأساس، وهي الموديل المشخص كأساس للوحة وعنصر تكوينها الهام، ولا شك أن سحرية الحالة لها الوقع المؤثر في النفس وتبعث فيها من الرحابة والتأمل المحبب حيث لا كدر ولا انفعال أو قلق في هذا الوجود المغشّى بالأبيض الملون والمشبع بالرومانسية والصبابة والعشق!؟. ربما تقدم هذه الصورة جانبا تلفيقيا عن جوانب الحياة ومصاعبها اليومية كما تفعل فعلها التذكاري عند الهائمين بالألم العذب ومكابدات العشق، مما يجعل هذه الصور واللوحات تقارب البطاقات التذكارية التي يتبادلها أولئك المصابون بالشوق والوله، وتذكرني بتلك الحقبة من سبعينيات القرن الماضي حيث البطاقات الكرتونية التي تفعل فعل الرسائل المعطرة, وقد استفاد منها البعض حين حولوها إلى مواد عاطفية تباع في المكتبات وكأنها مطبوعات سياحية تخص العاطفة، وأمام تجربة تشكيلية يختلط فيها مؤثرات ذلك الزمن مع بعض الخبرات التشكيلية التي كانت حاضرة آنذاك من خط ولون وحساسية في معالجة السطح، وبدت آثارها على لوحة جبران هداية مما يقتضي من المتلقي أن يبتعد قليلا عن الدهشة المباشرة التي فرضتها التقنية وموضوع اللوحة الذي يستدعي تصورا جديدا ومغايرا يفرض أسئلته عن دور الفن وأهميته في إحداث تغييرات ثقافية عميقة، وتجاوز مفاهيم راجت بتأثير ذوق بعض مقتني اللوحات على المنتج، وكرست نموذجا سياحيا من الفنون التشكيلية ازدهر في ثمانينيات القرن الماضي وخلق سوقا للوحة المناسبة للمفروشات، مثلما خلق العدوى بين الفنانين والمقتنين وأصحاب الصالات و”دكاكين الأنتيك”.
حينما تكون اللوحة على الجدار يكون المتلقي العارف أمام شخص الفنان وجها لوجه أمام ضميره ومسؤوليته التي اختارته أن يكون أحد قوائمها المبدعة في الجانب الجمالي، ليس هذا وحسب بل هناك من يتابع حركة الإنتاج الفني والثقافي ويربط هذا الحراك بمقتضيات الحياة وليس ما تفرضه متطلبات السوق المباشرة والنفعية, هنا تقع مسؤولية الفنان عن أعماله وحرصه على تطوير أدواته وفكره باعتبارهما أدوات حياة وتلاؤم وتغيير، كما تتضمن في دواخل هذه التجربة تلك الأسئلة المبدعة والتي تشعرنا بقلق الفنان كصانع للجمال والشغف، والمتفاعل مع انتكاسات وتراجع الفرح والحياة وليس بذلك الدليل السياحي أو المستجدي لعاطفة المتلقي، ومن السطحية أن تسقط لوحة التصوير في أغلاط تشريحية والتباسات تقنية، مما يوقع الرسم في مطب الريبة ولن يسعف الأدب الرسام لأنه تحول إلى مبرر للأشواق الساذجة في حينها.
أكسم طلاع