نانسي خوري.. ياسمينة الدراما السمراء
رغم أن مسيرتها الفنية في بداياتها، إلا أن هذه البدايات التي ظهرت بها في أعمال فنية درامية سواء كانت مسرحية أو تلفزيونية أو سينمائية، فإن الممثلة الموهوبة “نانسي خوري” واستطاعت، أن تحجز لنفسها مقعدا مريحا في رحلة انطلاقها وجيلها من الفنانين نحو النجومية المتألقة، وهذا ليس تنبؤا بغير مكانه، فالممثل–عموما- الذي يمتلك موهبة وقدرة عالية على التحكم بأدواته الفنية، تلك الأدوات التكنيكية أيضا التي يتقنها- إن صح الوصف- في أدائه التمثيلي المثالي، لما فيه يجد نفسه، إن كان في تنويع الأداء أو الاشتغال على الشخصية بعالميها الخارجي والداخلي، أيضا حب الكاميرا الذي يتضح ويظهر ومنذ بداية العمل في رحلة هذا الفن الشاق، هذا الممثل لا يبقى لديه إلا أن يعرف كيف ينتقي أدواره بدقة، بحيث يحقق النوعية أولا في تواجده في عوالم هذه المهنة، وعدم حصره في خانة أدوار معينة ثانيا، ليصبح من الذين يرفع لهم الجمهور القبعة، ويتابع ظهورهم في أي عمل يكونون فيه، وهذا ما حققته حتى اللحظة “خوري” إن كان في حضورها النوعي في الدراما المحلية بأنواعها، وأيضا باللمسة السحرية التي تركتها في دواخل المشاهدين، وقدرتها على التنويع في لعب مختلف أنواع الشخصيات، كوميدية كانت أم العكس، سكوباتية أو نرجسية، واقعية أم حالمة، مازوشية أو عاشقة،وغيرها من أنواع الشخصيات التي تتعدد بتعدد الناس، وهذه القدرة التي تبدت في ما يقارب العشرة أعمال درامية متنوعة، أظهرتها “نانسي” بحرفية وتكنيك خاص بها، لا يشبه أحدا من الممثلات سواء ممن سبقنها في المهنة أو من الذين انضمت إليهم لاحقا، وتلك البذرة التي بدأت تورق رويدا رويدا وعملا فنيا إثر آخر، تبشر بيانعات الورود وأنضرها، وسوف يكون لها في قادمات الأيام شأنا ليس بالقليل أبدا في عالم الدراما، محليا وعربيا وعالميا، باعتبارها تمتلك كل المواصفات التي تجعلها مهيأة لذلك.
تخرجت “نانسي خوري” من المعهد العالي للفنون المسرحية، إلا أن حياتها الفنية كانت قد بدأت بالفعل قبل ذلك، بعد أن اشتركت مع الفنان “قصي خولي” في واحد من الأفلام التي لم تُعرض، ورغم أن الخيبة عادة هي ما يصيب أولئك الذين تبدأ حيواتهم الفنية بشكل خاص، بتعثر ما، لكن هذا لم يحصل معها، لتدخل الأكاديمية السورية للفنون، مشتغلة على صقل الموهبة التي حلمت بها مذ كانت في السادسة من عمرها؛ إنها إذا تعرف ماذا تريد ومنذ وقت مبكر، وقدومها إلى عالم التمثيل ليس من باب الملل أو الفراغ أو العلامات المتدنية في شهادة الثانوية، أو حتى عن طريق المحسوبيات والرغبة في الشهرة و”الفلوس”، بل لشغف مس قلبها، فأشعل في صدرها نيران هذا الحلم، حلم كانت تزكيه متابعاتها الفنية، للكثير من النجمات المتألقات باختلاف جنسياتهن في عالم الدراما، وعلى “الريد كاربت”، وأضواءها المبهرة، ممثلات فريدات من نوعهن، وقفت “نانسي” أمام المرآة طويلا منذ حداثة سنها لتقلدهن، ولتكتشف في دواخلها أن هذا ما تريد، وهذا ما إليه سعت، وها هي فيه تبدأ بقطف ثمار هذا الشغف والحب لموهبة انتخبتها ومنذ البداية لتكونها ولتبدع فيها، إن كان في السينما، فيلم “الرابعة بتوقيت الفردوس” –محمد عبد العزيز كتابة وإخراجا-، أو في المسرح، مسرحية “زجاج” –يينسي وليامز- أسامة غنم-، وكان أن قدمت أداء مبهرا في المسرحية الآنفة الذكر، أو في الدراما التلفزيونية، والتي اشتغلت فيها عدة أعمال درامية متنوعة في الشخصية والدور والأداء، مع عدة أسماء مهمة في الدراما المحلية، كان آخرها مسلسل “الواق واق” –ممدوح حمادة- الليث حجو-، بعد أن شاهد العديد من المخرجين قدراتها التمثيلية العالية، خصوصا وأننا في مجتمع درامي تلفزيوني، يُعرف معظم المخرجين فيه، بأنهم لا يهتمون بالاشتغال على الممثل، بل هم مهتمون بالكاميرا على حساب الأداء، مما يجعلهم يتجهون فورا إلى ممثلين نمطيين بقوالب فنية جاهزة أيضا، فالأب القاسي وربة المنزل والفتاة اللعوب والشرطي وغيرهم جاهزون حسب الطلب ومكرسون كأدوار، وفي مجتمع مهني كهذا لا بد أن تكون المهمة التي واجهت “نانسي” في بداية مسيرتها المهنية صعبة جدا، لكنها نجحت بأن تكون الممثلة لأي دور مهما اختلف ومهما كان صعبا، وإن كانت الأسباب تُؤدي إلى نتائج، فكل أسباب موهبة بل روح الممثلة “نانسي خوري” أدت وستؤدي حتما، لنتائج هي حتى هذه اللحظة متميزة وفريدة ومُبشرة بقدوم نجمة سورية إلى عالم الدراما لن يكون من السهل تجاوزها، لأنها لن تكون رقما سهلا أبدا في ذاك العالم، الذي لا يثبت في أرضه المرتجة، إلا كل صاحب موهبة فذة وحقيقية، قادرة على خلق شيء من لا شيء، فمساحة وحجم الدور الآن ليست هي ما يشغل بالها، بل ما يجعله خلاقاً، لتبث روحا في الشخصية من روحها بكل ما للكلمة من معنى، وهذا قادم من فهمها الواثق لطبيعة مهنتها السريعة العطب.
كان أن درجت الصحافة الفنية عموما على إعطاء الفنانين المتميزين ألقابا، تلازمهم طوال مسيرتهم الفنية، ويمكن لها أيضا أن تفعل هذا كما فعلته سابقا، و”نانسي خوري” يليق بها لقب “ياسمينة الدراما السورية السمراء”، تلك التي جاءت وأينعت في زمن الحروب.
تمّام علي بركات