دبوس “الفضيلة”..؟!
قبل أكثر من ثلاث سنوات أطلقت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة لدفع قادة العالم إلى معالجة مشكلات، مثل الفقر والجوع وتغير المناخ بحلول عام 2030. بدا ذلك مدعاة للإعجاب، وأضحت أهداف التنمية المستدامة آنذاك إطاراً ناجعاً لمناقشة التنمية العالمية.
كما أنها أنتجت “دبوساً” لافتاً على شكل قوس قزح، يثبِّته المسؤولون الحكوميون وقادة الأعمال في الغالب على طية البدلة، بوصفه شعاراً يشير إلى الفضيلة.
يومها طرح تساؤل هام حول إمكانية قيادة القطاع الخاص للتنمية المستدامة، وتوازياً مع ذلك طرحت معوقات قيام القطاع بهذا الدور.
ومن الآراء الواقعية التي تبين حقيقة عدم قيام القطاع الخاص بقيادة التنمية على مستوى العالم ومستوى الدول، الرأي القائل: إن القطاع الخاص يمثل الملكية الفردية، ومن ينشئ مشروعاً خاصاً يكون هدفه الربحية، أما التنمية بكل أشكالها فهي مهمة الجهات الحكومية، والحكومات كثيراً ما تنشئ مشروعات تخسر فيه مادياً في سبيل إشباع حاجات اجتماعية، وهذا ما خبرناه لدينا.
بين الإمكانية وعدم المبادرة للقيام بالدور التنموي المستدام، تبرز معضلة المال والتمويل، وهي قضية ليست هينة أبداً، بل معقدة حتى على مستوى الدول، لكن إن وجدت الإرادة والإدارة الجادة والمخلصة (الفاضلة)، فيمكن أن يكون للخاص دور ولو في جزء من المساهمة بتلك التنمية.
هذا يوصلنا لما نود طرحه محلياً، وضرورة أن يساهم قطاعنا الخاص بعملية التنمية المستدامة في سورية، ومطلبنا ينبع من أن لقطاعنا الخاص مصلحة كبرى في تحقيق تلك التنمية، التي نعتقد أن عائداتها هي من الأهمية المالية الكمية، ما يُمكِّنه من إنماء وتوسيع أعماله واستثماراته ومشاريعه، إن أراد الوصول للعالمية بمؤسساته.
هذه الحقيقة لا تزال غير مدركة عند قطاعنا الخاص لغاية الآن؛ لأنه اعتاد الربح منهجاً وغاية، من دون الأخذ بالحسبان العوامل البيئية والاجتماعية والإدارية المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة عند اتخاذه لقراراته، حيث إن هذا النهج يأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى تبني منظور طويل الأمد عند تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، حتى عند الاستجابة للحاجات الملحة.
في هذا السياق هناك من يرى أن تمويل القطاع الخاص لأهداف التنمية المستدامة يمكن أن يحدث من خلال المؤسسات الاستثمارية المرموقة، بما في ذلك صناديق المعاشات وصناديق الثروة السيادية وشركات التأمين، والتي تمثل معاً كتلاً مالية ضخمة من “رأس المال الصبور”. إلا أن المؤسسات الاستثمارية حالياً لا تخصص سوى جزء صغير من الأصول لما يسمى الاستثمار المؤثر، بينما توجه مبالغ مالية ضخمة لعدد قليل نسبياً من الشركات العامة.
ومن ثمَّ فإن مفتاح تحقيق أهداف التنمية المستدامة هو حثّ الشركات العامة، ولاسيما الشركات الكبيرة التي تتلقى معظم الاستثمار المؤسسي على أن تضع في الاعتبار العوامل البيئية والاجتماعية والإدارية المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة عند اتخاذها لقراراتها أيضاً.
ما يدعونا للتفاؤل في ترجمة ذلك محلياًً الأخبار السارة التي تؤكد أن الاستثمار المستند إلى العوامل البيئية والاجتماعية والإدارية آخذ في الارتفاع بالفعل، حيث إن معظم المؤسسات الاستثمارية الكبرى تدمج، على الأقل وإلى حد ما، العوامل البيئية والاجتماعية والإدارية في استراتيجياتها الاستثمارية.
وقد ذكر الاستعراض العالمي للاستثمار المستدام لعام 2016 أن أصولاً وبقيم كبيرة جداً، قد جرت إدارتها باحترافية في إطار استراتيجيات الاستثمار المسؤول على مستوى العالم.
ولأننا من هذا العالم، نشدد على تطبيق تلك الاستراتيجية، وبذلك سنستحق “دبوس الفضيلة” التي تحتاجه سورية الجديدة.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com