أبناؤنا والأخلاق!
لا شكّ أنّ من الفجائعيّة بمكان؛ في عقابيل أزمة الظلام وارتداداتها بسنيها الثّماني؛ ما آلت إليه من تأكل في منظومة القيم، وما تمخّضت عنه من تصدّعات في مصفوفة الأخلاق، ما لبثت تتمظهر حوامل سلوكيّاتها في يوميّاتنا، وتعلن بصوتٍ عالٍ عن وجودها بين ظهرانينا، رغماً عنّا..!؟
وإذ أزفت ساعة الحقيقة وأخذ الجسد السّوري يبرأ من فيروسات الظّلام، ويتعافى من سمومٍ استهدفت روحه وكينونته ووجوده؛ فلا بدّ من استئصال ما علق بهذا الجسد من أدرانٍ دخيلةٍ وطارئةٍ على عراقته، وتتنافى مع أصالة روحه، والمضيّ قدماً في رحلة إعادة بناء الإنسان..!
وحيث إنّ أوّل مربّعات الحيّاة الإنسانيّة الجمعيّة وخلاياها في حياة الفرد بعد الأسرة هي المدرسة، فمن الواجب أن نولي المدرسة ورسالتها حقّها من الاهتمام والرّعاية والمتابعة، لنعلّم طلّابنا فيها أنَّ القيم والأخلاق هي صنو العلم، فكما أنّ العلم ليس مجرّد شهادة ممهورة بخاتم، تُمنح نهاية العام لتعبّر عن نتيجةٍ ما، وإنّما العلم في حقيقته نموّ في الشّخصية، وسعة في أفق التّفكير، وعمقٌ في المدارك، ورقيّ في الذّوق، وعلوّ في الشّعور..!
فهل نعلّم طلّابنا أنَّ العلم من دون أخلاق لن يجديهم نفعاً ما لم يُرَ أثره على سلوكهم؟ وأنّهم رُسلُ قيمٍ إلى البشريّة، لا إلى مجتمعاتهم وأممهم فحسب.! وهل نعلّمهم أنَّ الدّين رفعةٌ، يتمظهر بالأخلاق والمعاملة؟ إذ لا قيمة لالتزام دينيّ في أداء الشّعائر والعبادات؛ من دون أن يكون لذلك أثره في حياة المرء ومجتمعه.
نعم علينا أن نعلّم طلّابنا أنَّ الانضباط هو أساس النّجاح، فإنْ لزموه فقد خطّوا لأنفسهم أقصر الطّرق في نيل المرامي، وحصد الإنجازات، وإن استخفّوا به تاهوا في الفوضى والعبث وضياع الأوقات والأعمار وتبديد الطّاقات، وتلك بوابات الانحراف، والدّروب إلى مستنقعات الجريمة، وبراثن الغواية، والتّفلّت من أواصر الانضباط الرّوحي والأخلاقي..!
كما علينا أن نعلّمهم أنّ للمستقبل عقولًا ومهارات غير محدودة، والحياة في تجدّد مستمر، وأنّ الواقع حافل بالتّعقيدات، مليء بالتّناقضات والصّعوبات، وعليهم اجتراح طرائق الإفادة من مرارة التّجارب، وعليهم أن يكونوا أداة تغييرٍ إيجابيٍّ وفاعلٍ لمستقبل مجتمعهم، وأنّ الوطن يعلّق عليهم آماله لترميم ما اعترى جسده من فجوات، في مضمار سباقه الحضاريّ مع الأمم. لنعلّم طلّابنا أنَّ الهُوية الوطنيّة هي ذاتنا، فمن فقد هُويّته فقد ذاته، ولنُرسّخ لديهم طرائق التّفكير النّاقد، وكيف يفنّدوا بعقولهم الغثّ من السّمين.
والحال أنّنا إنْ أحسنّا تربية أبنائنا على القيم والأخلاق؛ فإنَّنا سنُراهن عليهم آنئذٍ في صُنع مستقبلٍ مشرقٍ، ترنو اليه أبصارنا بتفاؤل، وتتوق إليه نفوسنا بشغف، وعندها فقط ستتملّكنا غبطة الإنجاز بأنّنا أدّينا رسالتنا في الحياة..!
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com