“رنا العسلي توقع “سني المخاض”
“الإحساس بالخيبة هو إحساس عقيم نحتاج الكثير من الوقت كي نعتاد عليه ونوجهه بعيداً عن حياتنا” هذه المفردات تختزل أبعاد رواية” سني المخاض” للكاتبة رنا العسلي التي تم توقيعها بأجواء ضمت الشعراء والمثقفين والمهتمين في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة_ وسُبق حفل التوقيع بندوة تضمنت إضاءات نقدية وتحليلية بإدارة الشاعر خليفة عموري ومشاركة الشاعر نائل عرنوس والممثل المسرحي محمد شما.
استهل الندوة عموري بالحديث عن الإنتاج الأدبي للكاتبة الذي جمع بين الشعر والرواية، مركزاً على عنوان الرواية الذي يشي بمضمونها، عن الحرب المجنونة التي شُنت على بلد الياسمين ولا يمكن أن تكون النهاية، فثمة ولادة تبشر بعطر الياسمين.
بينما أوضحت الكاتبة أن روايتها”سني المخاض” اجتماعية واقعية مستمدة من حياتنا ومواجهتنا الحرب الإرهابية، متطرقة بجرأة إلى قضية التحرش داعية من خلالها إلى مواجهة المجتمع ومحاسبة الفاعل وعدم التقوقع على الذات والخوف من ردة الفعل.
وبيّنت بأن الرواية كانت سيناريو لعمل درامي تجاوز ألف صفحة لكن لم يكتب له النور فحوّلته إلى رواية بالاختزال إيماناً منها بالقضية التي أثارتها، لذلك هيمنت المشهدية الدرامية على الرواية.
قفز الأحداث
ووصف الشاعر نائل عرنوس “سني المخاض” برواية السقوط ومن ثم الإرادة والأمل، إذ جعلت العسلي لغتها مطواعة تنبض بالواقع المعاش، الذي يسبق الحرب الإرهابية لتفاجئ القارئ بإقحام أحداث الحرب ضمن متن الرواية بالتكثيف أو التأريخ أو التفصيل لتدخل بنطاق حكايات اجتماعية وعاطفية، تتطرق فيها إلى التحرش ومسؤولية الأم والتفكك الأسروي والهجرة، فنقرأ بين الأوراق رواية تضج بالحكايات منذ بدايتها وصولاً إلى الصدمات التي تصدم القارئ إثر الصراع السياسي والاجتماعي والنفسي، والأمر اللافت هو عنصر التشويق باعتماد الكاتبة على القفز بالأحداث، فحينما تتمكن سحر من استعادة زوجها ينتقل الحدث إلى هاتف صديقة وإخبار سحر بأن أمها قتلت والدها المدمن الذي يتعامل معها بالضرب المبرح، وصولاً إلى موت ميار العائد على رصيف المشفى، إلا أن أقوى الصراعات في الرواية هو صراع سحر مع ذاتها وتمسكها بأولادها بعد تخلي الزوج عنها إشارة إلى المرأة الصلبة برمزية إلى سورية.
مواجهة الفاعل
وعن شخصيات الرواية توقف عرنوس عند الشخصية الرئيسة التي تدور حولها الأحداث والشخصيات الأخرى رامي الزوج الذي يمثل الخيبة والخذلان، ومريم الطفلة ذات الأعوام العشرة التي تتعرض لعملية التحرش من أستاذها وتبقى حبيسة هذا الحدث بأفكارها إلى أن تتخرج وتصبح محامية وترفع ضده دعوى قضائية وتأخذ حقها أمام الجميع، لينتقل إلى الشخصيات الثانوية التي كان لها أثر محوري في تصاعد أحداث الشخصيات الأساسية.
قطع الأحداث
وأثنى عرنوس على تبني الكاتبة اللغة الحوارية، ويرى أن درامية الرواية تبدو بسمة القطع بين الأحداث والانتقالات بسيناريوهات روائية، مما أوحى للقارئ بالاستقلالية وكسر هالة الملل.
أما عن زمن الرواية فنلمح الزمن المعاصر إذ نسمع سيارات الإسعاف، الزمن الذي يستطيع القارئ فهم إيحاءاته، كما اعتمدت الكاتبة على مكان معروف مثل جرمانا وحي العمارة وشوارع دمشق، وتقصدت الإيحاء بالمجهول من خلال الظلمة والخوف في مكان ما في العتمة مما يدل على خفافيش الظلام.
الأمر الذي توقف عنده عرنوس أيضاً هو سمة التكثيف فأحياناً كان التكثيف مبرراً معقولاً، ونافراً في أحايين أخرى ويأخذ سمة اللامعقول كما في حادثة موت ميار على رصيف المشفى بشكل مكثف جداً، إضافة إلى إقحام السارد في ثنايا العمل وعدم خروجه من المتن الحكائي فيعلل ويشرح وينظر مما يؤثر على التلاحم في عرى النص، والأفضل أن تترك الكاتبة شخوصها هي التي تدلل على الحدث، كما أثار عرنوس العالم الافتراضي الذي دخل متن الرواية فيرى أن محادثة المرأة مع الشخص الافتراضي”ليل طويل” بوجود الزوج أمر غير مقبول، وبأنها مبالغة لا يحتملها الرجل الشرقي.
ويخلص عرنوس إلى أن الرواية تكتظ بطاقات شعورية وبالصدق الأدبي والمعنوي الذي يستشري بروح القارئ بمتع شعورية لاسيما التخيّل” وفي كل مرة كنا نخبره أن يصبر، وإن شاء الله سيكون كل شيء بخير إلا أننا لم نستطع إسكات الصوت الخائف فينا”.
محاكمة الشخوص
وتناول الممثل المسرحي الرواية من منظور آخر من الجانب المسرحي كمادة درامية مشيداً بالمشهدية التي تناولتها الكاتبة بجرأة، وحاكمت أغلب شخوصها بمنطق محتوم لرؤيتها بعيداً عن القضاة والمحاكم، ليصل إلى أزمة الأخلاق التي واجهتنا أثناء الحرب، وانعكاس هذه الأزمة على الشخوص، ليتوقف عند سحر التي تمثل سوريتنا، كما خاض ببحر الرواية التي مضت نحو شواطئ الحب ليصل إلى الخبر الهام بأن الرواية قريباً ستجسد بمسرحية مونودراما بصوت البطلة سحر.
الجاسوسية
وعقب عموري بأن الرواية جسدت المجتمع السوري قبل الحرب وخلال سنواتها، متطرقة إلى الآفات التي أصيب بها المجتمع من الداخل مما ساعد على التداعي، متوقفاً عند الحدث الأهم في الرواية التحرش من قبل أستاذ، ليصل إلى العنف الجسدي والنفسي الذي يواجهه الأطفال في مؤسسة التربية، إلى غلاء الأجور، ومعاناة المهجرين واصطدامهم بالواقع في الوقت الذي كانت فيه سورية تفتح أبوابها لدول الجوار دون مقابل، وأيضا موضوع الجاسوسية من خلال زواج أبناء الوطن من أجنبيات دون علمهم بانتمائهن إلى أجهزة استخباراتية أو لداعش.
المثقف والأخلاق
وأثيرت بعض المداخلات حيث أشاد د. محمد الحوراني بقوة رنا العسلي وعدم استكانتها لتحقيق حلمها، ليتوقف عند أمر هام وهو إشكالية المثقف والأخلاق، فهل يمكن أن نطلق على المثقف الذي يملك منتجاً إبداعياً مثقفاً مع عدم التزامه بالأخلاق بممارساته اليومية. وأكدت د. أسمهان الحلواني مصممة الغلاف على تشجيع الأدب الإنساني بعيداً عن تصنيف الأدب النسوي. وألقى الشاعر أيهم الحوري قصيدة من الشعر المحكي.
ملده شويكاني