لطالما كنّا أقوى من الحصار
صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على قانون فرض إجراءات قسرية ظالمة ضد الشعب السوري ومقدراته، ليوضّح بذلك أن المشكلة ليست في غوغائية ترامب وجهله في علم السياسة، وإنما في أمريكا كمؤسسات مخترقة من اللوبي اليهودي الذي يتحكّم في السياسة الخارجية لأي إدارة أمريكية، سواء أكانت جمهورية أم ديمقراطية، وسواء اتبعت السياسة الناعمة أم الخشنة تجاه الدول التي تناهض السياسات الأمريكية، فالبوصلة هي دائماً “إسرائيل” وأمنها وكيفية الحفاظ على إطالة أمد وجودها.
لم يترك قانون “سيزر”، أو قيصر، قناة يمكن لسورية من خلالها تأمين مستلزمات شعبها إلا وأوصدها، فهو يستهدف كل من يمكن أن يساهم في تمويل وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار، أو توفير الدعم لقطاع الطاقة السوري، ويعاقب أي دولة أو كيان أو شخص يمد الاقتصاد السوري بالمواد الأساسية التي يحتاجها المواطن. وبطبيعة الحال وحتى لا تفضح المؤسسات الأمريكية عورتها تماماً ألزم القانون الجديد الرئيس الأمريكي بتقديم استراتيجية مساعدات إنسانية للشعب السوري للكونغرس في غضون 180 يوماً، وذلك في إطار الاستراتيجيات التضليلية للرأي العام، والتي ترتكز بالأساس على أن العقوبات لا تستهدف الشعب، وإنما الدولة السورية، حتى ترضخ للإملاءات الأمريكية، وتسير وفق ما يشتهي الكيان الصهيوني، الذي لم يبق أمامه سوى سورية، ومحور المقاومة حجر عثرة في وجه التطبيع الكامل بعد أن هرولت أنظمة الخليج لخطب ودّه، وأصبحت علاقاتها معه علناً، وتعمل جاهدة على دفن القضية الفلسطينية إلى الأبد مقابل لا شيء، ولا نغالي إذا قلنا بأنهم سيدفعون كل ما يترتب لتضييع القضية ودمج “إسرائيل” في المنطقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي تتبناه إدارة ترامب جملة وتفصيلاً.
إذاً هدف الإجراءات القسرية الظالمة أبعد بكثير من سورية، فهو يستهدف أولاً القوى الصاعدة والساعية إلى لجم التغوّل الأمريكي، وإنهاء الأحادية القطبية، وثانياً دول الطوق الرافضة لوجود السرطان الصهيوني، والمدافعة عن هوية الأمة وكرامتها وعن القضية المركزية، وبالتالي فإن نتنياهو وبعد أن استنفد كل أدواته الإرهابية استنجد بلوبياته في أمريكا للضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرار الانسحاب من سورية انطلاقاً من إدراكه أن القضاء على الإرهاب يعني بدء التعافي في سورية، وهذا تأكد بالأمس من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأن “انسحاب القوات الأمريكية تكتيكي وأن المهام الرئيسية لن تتغيّر”، ما يعني أن واشنطن في طور إعادة الحسابات، والعودة إلى المربع الأول، وهذه المرة عن طريق الإجراءات القسرية الظالمة، والحصار المنقطع النظير، والذي يستهدف محوراً برمته، يمتد من سورية مروراً بروسيا وإيران وصولاً إلى الصين.
بمطلق الأحوال فإن الاستخفاف الأمريكي بالعالم لا يستند على قوة حقيقية على الأرض، فهو يخفي في حقيقة الأمر أزمات داخلية وخارجية باتت لا تعد، ولا تحصى في ضوء التخلي الأمريكي عن أقرب الحلفاء، وخاصة في أوروبا بعد انسحابات ترامب من معظم الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وآخرها الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى تحت بند “أمريكا أولاً”، والذي وضعها في مواجهة مع قوى عظمى ستضعها في حدود إمكانياتها التي فرضتها وقائع الميدان العسكري، بعبارة أخرى وكما يقول المثل الشعبي: “من كبّر حجره ما ضرب” فإن الاستشراس الأمريكي وتوسيع دائرة الاشتباك لن يعود على واشنطن إلا بعواقب كارثية.
ما يهمنا كسوريين في هذا السياق أن “العقوبات” الجديدة لن تغيّر في المعادلات الكبرى شيئاً، فسورية تعوّدت على السياسات الأمريكية اتجاهها، واستطاعت التأقلم معها من خلال الاعتماد على الذات بمساعدة الحلفاء، الذين يعتبرون دمشق خط دفاعهم الأول عن أمنهم القومي، وعليه فإن “العقوبات” الجديدة هي آخر أوراق الاستهداف، وستلقى ذات مصير العدوان المباشر وغير المباشر، وعندما قال الرئيس الأسد بـ “أن سورية لا يمكن أن تجوع” فإن قول سيادته يستند على معطيات واقعية وإمكانيات ذاتية وليس على تمنيات وأوهام ترجوها أمريكا ومن يؤيد سياساتها.. فلطالما كنّا أقوى من الحصار والعقوبات وسنبقى.
عماد سالم