أخبارصحيفة البعث

العملات الوطنية تؤسس لعالم جديد

 

 

يبدو أن الضغط الأمريكي عبر العقوبات الاقتصادية والمالية، والاستفادة من سيطرتها على الأسواق العالمية وآليات التحويل المالية المرتبطة بالدولار حصراً لترهيب الدول الرافضة لسياستها، قد دفع مقاومي الهيمنة إلى التفكير جدياً في إقصاء الدولار من التعاملات التجارية الدولية عبر استخدام العملات الوطنية كبديل، ولكن ما مدى قدرة هذه الدول واقتصاداتها على إنجاح مشروعها، وهل يكفي فقط أن نبيع النفط بالعملات الوطنية؟، أم نحن بحاجة إلى تكتلات اقتصادية جديدة تفرض عملات قادرة على منافسة الدولار وإقصائه؟ وهل للعملات الالكترونية دور في ذلك؟.
منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، اتخذ العديد من القرارات الخطيرة بحق دول نافذة وذات وزن على الصعيد الدولي: عبر فرض عقوبات غير مسبوقة على طهران وموسكو، وفتح حرب تجارية مع بكين من خلال فرض رسوم كبيرة على صادراتها إلى أمريكا، إضافة إلى معاقبة دول تعتبر من حلفائها التاريخيين “تركيا”.. هذا الأمر دفع تلك الدول والتكتلات المنضوية تحتها (بريكس- شنغهاي- الاتحاد الأوراسي) إلى تسريع الخُطا لإقصاء الدولار من معاملاتها المالية هرباً من سطوته. والانتقال، حسب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى اقتصادي في العام الماضي، للتعامل بالعملات الوطنية مع الدول الأخرى كمسألة وليس سياسية اقتصادية، فكانت اتفاقيات التبادل بالعملات الوطنية التي وقّعت بين العديد من الدول، ليكون أول التعاملات هو بيع وشراء النفط والغاز، ولكن لماذا النفط؟.
النفط يشكّل الرافعة الأولى للدولار، لأن الدول المصدرة للنفط أبرمت اتفاقاً مع واشنطن ليكون مبيع النفط بالدولار، وهذا ما أكسبه قوة كبرى حيث تبلغ قيمة الصفقات النفطية حول العالم قرابة 15 تريليون دولار، وبالتالي فإن قيام تلك الدول والتكتلات الاقتصادية بشراء وبيع النفط عبر عملاتها الوطنية سيؤدي إلى تقهقر في قوة الدولار: “الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، وروسيا من أكبر منتجيه”، كما أن هناك دولاً تعاني من العقوبات “إيران- فنزويلا” وبيع النفط بعملاتها الوطنية يجعلها في مأمن منها، كونها لم تستخدم نظام التسديد العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن “سويفت”، ولكن هل يكفي ذلك؟.
بالتأكيد أن الأمر لن يتوقف عند النفط، فالدول الراغبة في فك الارتباط بالدولار تسعى من خلال تكتلاتها الاقتصادية والأمنية إلى نسج نظام مواز يكون بعيداً عن التسلط الأمريكي، ولنا أن نذكر أن مجموعة بريكس في ختام أعمال قمتها التاسعة في مدينة شيامن الصينية اتخذت قراراً بإصدار عملة خاصة، وبالتالي فإن الخطوات مستمرة، إضافة إلى إيجاد آلية جديدة للتعامل، وإنشاء بنك خاص بها يتعامل فيه بالعملات الوطنية، كما قامت مؤخراً بكين وموسكو وأنقرة بتخفيض استثماراتها في السندات الأمريكية.
طبعاً، الأمر لا يتوقف على خصوم أمريكا، فحلفاؤها الأوروبيون، الذين لم ينسحبوا من الاتفاق النووي مع إيران (فرنسا- ألمانيا- بريطانيا)، وللتخلص من العقوبات الأمريكية أوجدوا نظاماً مالياً خاصاً بالتعامل مع طهران “إينستكس”، الأمر الذي رأت فيه واشنطن تحدياً كبيراً لسياستها وسطوتها المالية، وطلبت توضيحاً من الاتحاد الأوروبي.
خلاصة القول: لا شك أن عملية إقصاء الدولار من المعاملات التجارية العالمية صعبة وشاقة، ولكن، مع الإجراءات الأمريكية المستمرة ومحاولتها استمرار السيطرة على العالم وفرض أجنداتها السياسية والاقتصادية، سيعجل بالتأكيد في سعي الدول والتكتلات الكبرى إلى البحث عن وسيلة جديدة للتعامل، ربما تمهّد مع التجاذبات السياسية الحاصلة حول العالم إلى تشكيل عالم جديد على أسس مالية بعيدة عن الدولار وهيمنته.
سنان حسن