الهروب من المدرسة.. أسباب وحجج تختبىء وراء سلوكيات خاطئة
لم يكد أحمد ذو السنوات التسع يسمع أهله يتحدثون عن قدوم منخفض جوي حتى بدأ المطالبة بعدم الذهاب للمدرسة في اليوم الثاني بحجة الخوف من المطر، والبرد، وتشكّل السيول والثلوج، وبالرغم من إصرار أهله على ذهابه للمدرسة، إلا أنهم فوجئوا باتصال من الإدارة تشتكي هروبه بعد ساعة من دوامه هو ومجموعة من أصدقائه في الصف، ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعترف بها إدارة المدرسة بهروب الكثير من الطلاب أثناء دوامهم الرسمي، فقد بات عدم الالتزام بالدوام ظاهرة تجتاح معظم المدارس الحكومية بحجج وهمية أبرزها عدم فهم الدروس من الأساتذة، والملل من أسلوب التلقين الذي أضحى موضة قديمة لا تناسب التعليم في زمننا هذا، فإذا كان هروب الطالب من مدرسته دليل نفور الطالب من المدرسة، وعدم الإقبال عليها، فما هي الأسباب التي تولّد تلك الرغبة في الهروب؟ وما هي الأساليب التربوية الصحيحة التي تحقق نمواً فكرياً وتربوياً، وتجنّب طلابنا هذه السلوكيات الخاطئة؟ وما هو دور الأهل في حل هذه المشكلة؟.
قوانين صارمة
لم يعد ضبط الطلاب في صفوفهم بالأمر السهل على الطاقم الإداري، فالحيل والأساليب التي يتفننون بها تحتاج لطاقم مختص بالقضاء على هذه الظاهرة، وهذا ما تفتقد له مدارسنا، لكن ما يلفت النظر هو ازدياد هذه الظاهرة عاماً بعد عام، إذ يلقي الطلاب اللوم الأكبر على المدرسة، والروتين الممل في تلقين الدروس، ما يبعث الضجر في نفوس الطلاب، وبالتالي يدفعهم للتفكير بالخروج خارج أسوار هذا الهيكل المقيّد لحرياتهم وأفكارهم، فالقوانين الصارمة، برأي الطلاب، والتي تفرضها المدارس لعقوبة الطلاب تجعلهم يشعرون بالتقييد وكأنهم موقوفون بتهمة معينة إلى أن يحين موعد انتهاء الدوام، فما يرغب به الطلاب هو أن يشعروا بأن المدرسة هي مؤسسة اجتماعية تربوية تعليمية ترفيهية لا يقتصر دورها على التعليم فقط.
كسر الجمود
الأسرة هي النواة الأساسية في تربية الطالب تربية سليمة من جميع النواحي منذ الطفولة المبكرة، وأكدت رشا شعبان، “علم اجتماع”، أنه ينبغي على الأسرة حث الطفل منذ نشأته على عدم الهروب من أي شيء، بدءاً من الهروب من الإجابة عن أي سؤال، وصولاً إلى الهروب من المدرسة، والجامعة، وحتى الوظيفة، وما ينجم عن ذلك من مشكلات تنعكس سلباً على الفرد ذاته، ومن ثم يأتي دور المدرسة في تشجيع الطالب وتحفيزه على الدوام، والالتزام به من خلال اتباع أسلوب التحفيز والتعبيرات الإيجابية من مدح، وغير ذلك من الأساليب التي تجذب الطالب للدوام، إضافة إلى كسر روتين الدروس الممل برأي الطالب من خلال إضافة أنشطة مختلفة داخل الحصص الدراسية تكسر الجمود الحصصي، وتضفي جواً من الراحة يبحث عنه الطالب خارج أسوار المدرسة عند تفكيره في الهروب منها، ولا ننسى هنا التأثيرات السلبية لهروب الطلاب من مدارسهم، حيث سيؤدي ذلك إلى تراجع مستوى التحصيل العلمي، وانسياق الطلاب الآخرين لممارسة هذا السلوك، ولا ننسى هدر جهود المدرّسين دون فائدة.
تحصين الطلاب
تعددت الأسباب والظاهرة واحدة لم ولن تتغير ما لم نبدأ باجتثاث هذه المشكلة من جذورها قبل أن تصبح وباء خطيراً على مجتمعنا، فالهروب يبدأ من المدرسة، وينتهي بهروب من الوظيفة والعمل مستقبلاً، ومن هنا لابد من تحصين التربية الأسرية من قبل الأهل للطلاب، ورفع مستوى الوعي لديهم، وخاصة ما يتعلق بمستقبلهم، وبأهمية العلم، ودفعهم باستمرار للتعلق بالعلم، مع متابعة مستمرة لهم ولأحوالهم في المدرسة، ووجود قوانين ضابطة لا صارمة في المدارس تقف في وجه الطلاب الهاربين، وتمنعهم من الاستمرار بالسير في هذا الطريق، مع اتباع أسلوب الاحترام المدرسي المتبادل بين الطلاب من جهة، وبين الكادر التعليمي من جهة أخرى.
ميس بركات