محاولـــــة انقـــــــلاب امبرياليــــــة
هل يمكن للأشخاص الذين يقومون بتسليح فرق الموت والتخطيط لشن الحروب أن يجلبوا الديمقراطية إلى فنزويلا؟ لقد اعترفت إدارة ترامب علناً بزعيم المعارضة غير المنتخب، خوان غوايدو، كـ “رئيس” لفنزويلا، وبحثت خطط الانقلاب معه، وفرضت سلسلة من العقوبات الظالمة على عائدات النفط التي تحتاجها البلاد لحل الأزمة الاقتصادية، ووصل الأمر للتهديد بإرسال قوات أمريكية بهدف السيطرة على ثروات ومقدرات الشعب الفنزويلي.
تحاول الإدارة الأمريكية القول بأنها تقوم بذلك لاستعادة “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” في إحدى دول أمريكا الجنوبية، لكن إذا ما ألقينا نظرة واحدة على مسؤولي الإدارة الذين يقودون الانقلاب، فمن المؤكّد أننا سنعرف الحقائق. لنأخذ على سبيل المثال وزير الخارجية، مايك بومبيو، الذي ألقى كلمة مؤخراً في الأمم المتحدة، داعياً الدول إلى الوقوف “مع قوى الحرية” ضد “فوضى” حكومة فنزويلا، وهو الذي نشر صورته في الخريف الفائت، وهو يصافح ولي عهد النظام السعودي، الذي يواصل حربه الجنونية، المدعومة من الولايات المتحدة، على اليمن، البلد الذي يتضوّر الملايين من شعبه جوعاً، والمتهم بارتكاب جرائم حرب وتعذيب بحق مواطنين سعوديين، والداعم الرئيسي لقوى الإرهاب والمرتزقة في سورية.
والسؤال الذي يطرحه مراقبون ومحللون: هل يمكن لرجل على شاكلة بومبيو أن يتحدّث عن الديمقراطية، أم أنه يمثّل الفوضى بعينها؟ وهو الذي عيّن إيليوت أبرامز مشرفاً على ملف فنزويلا، وقال عنه: “إنه سيكون رصيداً حقيقياً لمهمتنا”، على الرغم من أن تاريخ أبرامز، الصهيوني الأصيل، في ظل إدارة ريغان كان سيئاً للغاية، بصفته مساعداً للحروب القذرة، ويمتلك شخصية تنفرد بطابعها الشرير على نحو فريد، فقد صوّت لصالح دعم الولايات المتحدة لنظام غواتيمالا للإبادة الجماعية وفرق الموت السلفادورية في ثمانينيات القرن الماضي، وعندما قدّمت الأمم المتحدة تقريراً يتضمن 22 ألف عمل وحشي في السلفادور، أشاد أبرامز “بالإنجاز الرائع” لإدارته في البلاد.
أدين أبرامز بالكذب على الكونغرس حول دعم الولايات المتحدة لجماعات “الكونترا” الوحشية في نيكاراغوا، لكن ذلك لم يمنعه من العمل في وزارة الخارجية الأمريكية في إدارة جورج دبليو بوش، التي لم تُقدم على احتلال العراق فحسب- والذي تسبب بسقوط مئات آلاف الضحايا وتشريد ملايين العراقيين داخل وخارج بلادهم وتدمير بنى العراق التحتية- بل دعمت محاولة انقلابية سابقة في فنزويلا، وقال أبرامز للصحفيين: “أنا سعيد جداً بعودتي”!.
وقد التقط المصوّرون ملاحظة على ورقة قانونية كان يحملها “بولتون”، كُتب عليها: “5000 جندي إلى كولومبيا”. ما زال بولتون يعتقد أن العدوان على العراق كان فكرة جيّدة، رغم أنها أدت إلى ظهور وانتشار التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، ويرحّب بشن عدوان على إيران أيضاً، فهل نعتقد أنه يريد خبزاً وورداً لفنزويلا؟.
لقد حققت فنزويلا إنجازات هائلة، بما في ذلك الحد من الفقر، والتحسّن الملموس في مستوى المعيشة، لكن في الحقيقة تسببت العقوبات الأمريكية- والتي ترتقي إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي- في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وجاءت عواقبها السلبية بالشكل الأكبر على أفقر الناس في المجتمع الفنزويلي، كما أدى التنسيق الأمريكي مع مدبري الانقلاب إلى تسميم البيئة السياسية للبلاد، لكن من المؤكّد أن مستقبل فنزويلا يقرّره الفنزويليون، وليس مدعو الحرية والديمقراطية: الذين لن يجلبوا بتدخلهم في بلدان العالم إلا المزيد من تفاقم الأزمات والحروب.
وبدلاً من محاولة تغيير الرئيس الشرعي، باستخدام جميع الوسائل، بما فيها العنف والفوضى، وتسليم الأسلحة لفرق الموت، والتدخل في شؤون فنزويلا الداخلية، والتي ستكون لها تداعيات واسعة في المنطقة، ينبغي على الولايات المتحدة دعم الحوار والاعتراف بالحقائق على الأرض بأن الرئيس مادورو يلقى الدعم من الجيش وجزء كبير من المجتمع الفنزويلي، وبـ “أن زعيم المعارضة لا يتمتع بأي سلطات حقيقية”، بحسب تعبير الكثير من المراقبين.
الشعب الفنزويلي، والذي قاوم نزعات الهيمنة والغطرسة الأمريكية في السابق، سيكون قادراً اليوم على التصدي لهذه المؤامرة المتجددة وإسقاطها، والحفاظ على سيادة بلاده واستقلالها، وعودة الاستقرار إلى ربوعها، ومحاولة واشنطن السيطرة على الوضع السياسي في فنزويلا -والتي تنظر إليها المؤسسة الأمريكية العميقة حديقة إقليمية تابعة لها- مصيرها الفشل المحتّم.
سمر سامي السمارة