“لكل مواطن منزل “؟!
إذا لم تخن الذاكرة المنهكة بتخزين الشعارات وحفظ متمماتها من الوعود فإن شعار “لكل أسرة منزل” ليس بالجديد، بل تم تداوله في مراحل سابقة، كما تم تبنيه من قبل الاتحاد العام للتعاون السكني.. إلا أن العبرة ليست في الشعارات بل في مدى مقاربتها الواقع وتحويلها إلى استراتيجية عمل وإسكان فعلية تساهم في حل مشكلات القطاع السكني المتشعبة والمتجذرة خاصة لجهة تخريب الثقة مابين القطاع السكني بشكل عام والتعاوني خاصة، وأصحابه الافتراضيين من ذوي الدخل المحدود.
وبصراحة ما تم إنجازه في قطاع التعاون السكني خلال مسيرته ليس بحجم الطموح، وكان من الممكن إنجاز أضعاف مضاعفة من المساكن التعاونية لو توفرت الأراضي اللازمة والقروض الكافية وبالشروط الميسرة، هذا عدا عن تحييده عن هدفه بعد أن تسللت مصالح أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة إلى قطاع البناء والتشييد واستحواذها على النسبة الأكبر فيه تحت عباءة أصحاب الدخل المحدود الذين يعيشون الآن بدورهم خدعة التعاوني في لعبة تجارية استثمارية عنوانها الأساسي الربح بمئات الملايين.
ولاشك أن التحديات الحالية وفداحة الخسائر واختلاف الظروف وتفاقم الحاجة للسكن وتصاعد الأسعار يضع الجهات المعنية التي تطرح هذا الشعار في امتحان صعب، إلى أن يتم تقديم أوراق اعتماده في مرحلة إعادة الإعمار بشكل صحيح، والغريب أنه إلى الآن لم يتم تقديم رؤية حكومية واضحة لتأمين مساكن للمواطنين بأسعار مناسبة لدخلهم، ومازالت قضية رفع القروض السكنية في المصارف معلقة على مشاجب الظرف الاقتصادي والعجز المالي، كما لم تتخذ بعد قرارات جريئة لحل ومعالجة كافة المشكلات المتراكمة سواء في السكن الشبابي أو الاجتماعي، وهذا ما يدعو إلى التساؤل عن مدى الجدية في هذا الطرح وعن مقومات النجاح التي تمتلكها وزارة الإسكان والإشغال العامة لتنفيذ خطة “بيت لكل أسرة”.
ويبدو أن نرجسية هذا الشعار تستدعي الاستشهاد بتجربة القطاع التعاوني السكني التي كانت ناجحة في فترة السبعينيات، أما الآن فشعاراته التعاونية براقة وليس لها مكان على أرض الواقع، فسعر المتر في مشاريع الجمعيات السكنية في دمرعلى سبيل المثال حوالي 1,5 مليون ليرة، وفي بعض الجمعيات الأخرى تخطى 2 مليون ليرة، وهذه الأرقام كافية لإسقاط كلمة التعاوني عن هذا القطاع، والأمر ذاته على المشاريع التي أطلقتها المؤسسة العامة للإسكان ضمن منظومة إسكان أسموها السكن الاجتماعي.!
ماحدث ويحدث في القطاع السكني لايحتاج المزيد من الشعارات، بل إلى قرارات جادة ومتابعة تنفيذيه وعدم الانجرار وراء الأحلام، وهذا الكلام لايعني إدارة الظهر لماتحقق وأنجز في عقود، بل يمثل مطلب كل عائلة سورية تلاحق حلمها في امتلاك منزل ضمن إمكاناتها المحدودة التي لا تكفي لشراء أمتار معدودة حتى في العشوائيات.. والسؤال الأكثر إلحاحاً هل المقصود بهذا الشعار أنه سيكون للمواطن منزل في المدن التي تقام اليوم عبر الاستثمار، فهناك الغراند تاون ومشروع ماروتا ستي وغيرهما من المشاريع التي تدرج في الخطة الإسكانية، أم هل سيبقى حلم المواطن في خانة الشعارات فقط.؟
بشير فرزان