مع الأحداث رسالة الاحتفالات الإيرانية
للاحتفال الذي تقيمه إيران اليوم في ساحة “أزادي” أو ساحة “الحرية” بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة الإسلامية دلالات رمزية كبيرة تحمل في طياتها رسائل كثيرة للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، إذ إن احتفال هذا العام يأتي بعد انسحاب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الموقّع مع إيران في عام 2015، ووسط تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة وعقوباتها الاقتصادية على طهران، لذلك من الطبيعي أن يكون احتفال هذا العام غير الذي جرى في الأعوام السابقة.
وبالفعل بدأت إيران بالاحتفالات منذ بداية شباط، وهي تدرك أن أصداء هذه الذكرى تتردد في أمريكا و”إسرائيل”، وهي تروي قصة نجاح ثوري أوصل إيران بعد أربعة عقود إلى مزيد من التطور في المجالين الإنساني والعسكري، ولهذا الغرض نظمت معرضين للأسلحة لعرض أحدث معداتها وقدراتها، وكشفت عن صاروخ “عابر” محلي الصنع، لتؤكد للعالم أن النتائج التجارية والمالية التي كانت تأمل إيران في تحقيقها من توقيع الاتفاق النووي عام 2015 مع المجموعة الدولية، لن يؤثر في سياستها، وأن إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها لن يثنيها عن مواصلة برامجها العسكرية الدفاعية.
يعني ذلك بالتأكيد أن احتفال هذا العام موجه بالخصوص إلى أمريكا التي فشلت حتى الآن في الحد من التطور الإيراني، سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو عبر الأدوات في الإقليم، ومن ينظر إلى سلّم الترتيب العالمي يرى أن إيران تأتي في المرتبة الأولى في الأبحاث العلمية السلمية في الشرق الأوسط، والتاسعة في العالم في عدد الكتب التي تنشر كل عام، والخامسة في أمن الفضاء السيبراني.
لكن أمريكا مصرة على محاربة و”شيطنة” إيران لأسباب كثيرة، أولها أن طهران بعد الشاه لم تخضع لواشنطن، ولم تعمل إلا لمصلحة شعبها، وهي لم تتخلَ عن التزاماتها تجاه القضية الفلسطينية رغم الحرب الكونية التي فرضت عليها، وأخيراً لوقوفها إلى جانب سورية في محاربة الجماعات الإرهابية المدعومة من أمريكا والكيان الصهيوني ودول النفط الخليجي.
ويبدو أن ترامب لم يدرك بعد أن محور المقاومة، ومنه إيران، الأقوى في المنطقة حالياً، وأن إمكانية القيام بحرب، على إيران، كما يتبجح الكيان الصهيوني، بشكل مباشر أو عن طريق الوكلاء، انتهت منذ زمن، لأن كلمة السر في المنطقة هي مواجهة العدوان الأمريكي الإسرائيلي، وأمريكا تدرك هذه الحقيقة. لكن إدراكها لا يتجاوز حد التهديد على الطريقة الهوليودية، بحسب ما قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، روبرت بالادينو، حين أشار إلى أن بلاده “ستواصل دون هوادة حشد الدعم في أنحاء العالم لمواجهة إيران، وستواصل ممارسة الضغط الكافي على النظام من أجل أن يغيّر سلوكه”.
إذاً تلقت أمريكا رسالة الاحتفالات الإيرانية، لكنها لم تقرأها بشكل صحيح، أو على الأقل لم يقرأها ترامب جيداً، ومازال يصر على موقفه بزرع الفرقة بين طهران وأدوات واشنطن في المنطقة، ولابتزاز أكثر وتحصيل الأموال مجاناً من مشيخات النفط التي يغرق ملوكها وأمراؤها كل يوم في سفك الدم العربي.
علي اليوسف