ثقافةصحيفة البعث

رسائل جدارية..!

 

“تعي بقى.. رح ينقطع خيط العمر/عاش ريال.. تسقط برشلونة/بحبك يا أم عيون خضر وماني خايف من أبوك/أستاذ لتدريس جميع المواد ..اتبع السهم/هاد الموقف بس للحلوين/ هون مو مكب زبالة يا حمار/لا تنامي.. سهران للصبح كرمالك”
هذه العبارات وغيرها الكثير الكثير، خطت على جدران المدارس ومواقف الباصات وجدران المحلات التجارية المطلة على ساحة عامة أو شارع مميز ومزدحم، حتى كادت أن تغطي هذه العبارات الجدران تماما.
من المتعارف عليه، أن الجدران هي دفاتر المجانين، لا أدري إلى أي حد ممكن أن تكون هذه العبارة صحيحة؟ لكن انتشار هذه الظاهرة، فيه ضرب من الجنون الجميل إلى حد ما، أو ربما وجود خلل معين في التوازن النفسي للشخص، وقد تلعب المراهقة دورا كبيرا في ذلك.
رغم غرابة الموضوع، إلا أن موهبة الكتابة على الجدران، ظهرت منذ زمن ليس بقليل، حيث كانت في البداية تأخذ طابعا تجميليا ككتابة بعض أبيات الشعر أو العبارات التي تحمل أسماء كتّاب وشعراء وفلاسفة. أما في وقتنا الراهن، قد يعتبرها البعض بمثابة رسائل تحمل أكثر من طابع، فأحيانا تكون ذات طابع تحذيري، وأحيانا تكون ذات طابع إرشادي، أو وسيلة إعلانية، وعلى الأغلب هي رسائل حب وغرام وهيام، بين مرسل ومستقبل معلومان بالنسبة لبعضهما البعض.
وإن كنت تريد أن تعرف المزيد من الأخبار ما عليك سوى الخروج للشارع، وتصفح الجدران الموجودة جدارا جدارا.
وحملت رسائل الجدران طابعا ثوريا، احتجاجيا على حالة معينة، وأول من استخدمها لهذا الغرض الشعب الفلسطيني لإيصال رسائلهم التهديدية والاستفزازية ومطالبهم للعدو الصهيوني.
ومما يؤسف له أن هذه العدوى انتقلت إلى أبواب وجدران دورات المياه العامة، حيث جاءت كتعبير عن رغبات مكبوتة عند بعض المراهقين، فلم يجدوا وسيلة أهم من تلك الجدران لتفريغ شحناتهم العاطفية، بعبارات تفيض من حروفها إيحاءات جنسية تعبر عن مرحلة معينة من العمر، توفر لذة ما لكاتبها وقارئها وربما العكس.
وعلى ما يبدو أن جدران العالم الافتراضي، ومناشيره العابرة للقارات، لم تف بالمطلوب، ولم تشف غليل هواة الكتابة على الجدران الواقعية، فمن خلال تجوالي في شوارع المدينة أجد أن هذه الظاهرة تزداد بكثرة في وقتنا الحالي، ضاربين أصحابها بذاك الافتراضي عرض وطول الحائط.
لقد أصبحت ظاهرة ذات بعد ثلاثي يُتفنن بها، ويبقى للواقع وحيطانه الشاهقة سحره الخاص، أو ربما اتساع مساحة السب والشتم، وتوصيل رسائل مجهولة النسب، من العيار الثقيل لشخص ما أو جهة ما هو ما جعل هذه الظاهرة متوفرة بقوة في هذا الوقت وبكل وقت..
في الحقيقة أنا كما السيدة فيروز لا أجيد الكتابة إلا على الحور العتيق، أو على رمل الطريق..!
لينا أحمد نبيعة