سورّية القلب
عبد الكريم النّاعم
توقّفتُ منذ فترة عند مصطلح “سوريّة قلب العروبة النّابض”، وتساءلتُ من أين جاءت هذه التسمية، وكيف، وتوصّلتُ إلى عدد من الملامح، ولستُ أزعم أنّها كليّة الإحاطة، ولكنّ فيها نقاطا مفتاحيّة، وكم أتمنّى أن يُغنى هذا الموضوع، لاسيّما في الزّمن الذي تتكالب فيه قوى مختلفة الأهواء، والأهداف، على محْو الكثير ممّا هو قائم وراسخ، متّخذة من الخراب العربي نقطة انطلاق وإمداد، بما حملتْه من رواسب متعدّدة، وقد توقّفت عند المفاصل التالية:
1-في فترة الاحتلال العثماني، وأنطلق منها، دون أن أنفي أنّ في تاريخنا القريب والبعيد، مايدعم الفكرة،.. في تلك الفترة برزت الدّعوة القوميّة – إنْ صحّت التسمية- بأن يكون للولايات العربيّة حكم ذاتي، تحت مظلّة العثمانيّة، تلك المظلّة التي مازلنا نحصد بعض آثارها التّدميريّة بأشكال متعدّدة، وكان من جملة المطالب الاهتمام باللغة العربيّة التي غُيّبت، بقصديّة خبيثة، لدرجة أنّنا فقدنا الكثير من وسائل التواصل مع تراثنا نتيجة تدهور اللغة القوميّة، ومَن يدقّق يجد أن العدد الأبرز من تلك النجوم اللامعة كان من سوريّة، ويكفي أن نذكر شهداء أيار الخالدين.. سوريّة التي نعني بها سوريّة ما قبل سايكس بيكو، وهي سوريّة الحاليّة، ولبنان، وفلسطين، والأردنّ، أليس في ذلك ما يُشير إلى عُمق النّبض في ذلك القلب، وقولنا هذا لا يُلغي أنّ ثمّة مصريّين وعراقيّين كانوا في عداد هؤلاء، وإنْ على قلّة،
المغرب العربي الكبير في تلك الفترة كان يعاني من الاحتلال العثماني من جهة، ومن زحف الاحتلال الأوروبي، ولذا سيكون غائبا، ولو لزمن، أمّا دول الخليج فقد كانت مشيخات محتلّة من قبل القوى الغربيّة، أمّا الحجاز ونجد فقد كان العمل فيها قائما على قدم وساق لتسييد “الوهّابيّة”، ولتصفية صراعات الحكم فيها.
2-في زمن الاحتلال الأجنبي، لزمن ما بعد سايكس بيكو، كانت سوريّة أوّل دولة عربيّة تنال استقلالها، بفعل شجاعة أبنائها، ومقاومة كلّ مناطقها للاحتلال الفرنسي، بلا استثناء، ولا يُغيّر من هذه الحقيقة أيّ قول آخر، يسعى لتوهين الحصول على الاستقلال، بما قيل عن صراعات ومصالح متضاربة بين الانكليز والفرنسيّين، فهي عوامل يمكن تأمّلها، ولكنّها لا ترقى لمستوى أن تكون بؤرة مركزيّة.
3-حين سعت الدول الغربيّة، وعلى رأسها أمريكا المتقدّمة على مَن سبقها، وقفتْ سوريّة، بقواها الحيّة، ضدّ منطق الأحلاف، والانخراط فيها، وحيك العديد من المؤامرات لإسقاط هذه القلعة، فظلّت صامدة، تدفع ما تدفع، وتجده مهرا لمعنى الحريّة والاستقلال والتقدّم.
4-كانت سوريّة السبّاقة، والمتحمّسة لتحقيق الوحدة بين دمشق والقاهرة، وقد نجحت في ذلك لبضع سنوات، حين تسلّل الانفصاليّون، والدّجّالون، إلى المواقع الحساسة، التي تمكّنهم من فصم عُرى تلك الوحدة، ولقد عملت جاهدة لأيّ عمل وحدويّ فيما بعد، وما كانت هي المسؤولة عن تخريب تلك المشاريع، بل حكّام آخرون، وهذا بحثه متشعّب وطويل.
5- لابدّ من ملاحظة مركزيّة وهي أنّ سوريّة، انسجاما مع الحسّ الشعبيّ فيها، على اختلاف تداول الحكم فيها، لم تفرّط بفلسطين، وخاضت حروبا عدّة من أجل ذلك، وظلّت وفيّة للدفاع عنها، في أزمنة تخلّى، بشكل ما، عنها مَن هم محسوبون من أبناء فلسطين، منذ أوسلو وما بعدها.
تلك هي سوريّة “قلب العروبة” النابض، ولا حياة لجسد، أو لوطن، من غير قلب، ولهذا الدّور الذي تُدركه دوائر الدراسات الغربيّة، المرتبطة بمراكز مخابراتها الخبيثة، لذا كان استهداف سوريّة، بذلك القدر من الحقد، والتدمير، والتخريب، وإيقاظ كلّ المشاعر التي هي دون وطنيّة، أملا في إخضاعها، وإيقاف هذا القلب عن الضخّ، فعلوا كلّ ما فعلوا بتأييد أعرابي حاقد، ورغم السنوات الثمان هاهي تباشير الخروج قد لاحت، وعسى أن يكون الاهتمام بالشرائح التي قاتلت، وحقّقت الانتصار، بحجم ما بذلتْه من دماء، وشهداء أحياء.
aaalnaem@gmail.com