تنعش الآمال تحسن مخازين السدود في السويداء ينبىء بحل أزمة المياه ودعوات لاستثمار كل قطرة
كل العيون ترنو اليوم لمخازين السدود، سواء عيون المواطنين أو المسؤولين، فحالة العطش ونقص المياه تعاني منها محافظة السويداء، بالإضافة إلى عدم نجاح كافة الإجراءات والتدابير المتخذة في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة لوجود العديد من المعوقات والمبررات والذرائع التي يتسلّح بها المسؤولون، وتكون عائقاً أمام الحل، وأهمها توقف مشروع جر مياه المزيريب من محافظة درعا، والاعتداءات المتكررة على عدد من المشاريع المائية الحيوية في الريف الشرقي للمحافظة، حيث كانت تتواجد مجموعات داعش، ونقص المحروقات، وانقطاع التيار الكهربائي، وما سبب من أعطال في آبار المياه!.
أما السؤال الأهم الذي يراود الكثير من أبناء المحافظة فهو حول التقصير في استثمار غنى جبل الريان بالمياه، رغم أن محيطه من كل الأطراف يشكّل واحات خضراء؟والسؤال الآخر: هل من حلول استراتيجية للأزمة، أم سيبقى العمل ضمن دائرة المعالجة الآنية؟ وهل ستكون العودة للسدود والبرك الأثرية هي الحل؟.
من الوفرة إلى الشح
الآثار الباقية تدل على أن جبل العرب كان مقراً غنياً بالمياه، وربما تسمية جبل الريان لها علاقة مباشرة بالري، ووفرة المصادر المائية، وتدل على ذلك البرك والأقنية والحمامات، مثل حمامات شهبا، وبركة الحج بالسويداء التي مازالت شاهدة على ذلك، ومن المؤسف حقاً أن يتحول ذلك الازدهار المائي السابق إلى حالة من الشح والنضوب لدرجة تصل إلى خوف من العطش في ظل وجود العديد من التحديات التي تواجه الواقع المائي في المحافظة، وهذا الغنى عكسه تنوع مصادر المياه في المحافظة من مياه الأمطار المتجمعة في البرك على اختلاف حجومها، والآبار الرومانية، واستثمار مياه الينابيع للقرى المجاورة مثل نبع القينه، ومياه عين بدر، إلى صلخد، وجر مياه نبع عرى، إلى عرى والمجيمر، وينابيع وادي اللوا، إلى قرى شقا، وشهبا، والغجغجيات، إلى عرمان.
الباحث الأثري وليد أبو رايد تحدث عن مصادر المياه وتوضعها فقال: تتألف مصادر المياه في الجبل من السيول التي يرتبط جريانها بالأمطار والثلوج الذائبة، وهي مؤقتة ينقطع جريانها بعد انقطاع هطول الأمطار بأمد قصير إلا إذا أسهمت بعض العيون في تغذيتها في فصل الشتاء وبعده بقليل، وتنقل شبكة الأودية (الشعاعية) مياه الجبل إلى “حوران”، فوادي “اليرموك” غرباً، وإلى حوض “دمشق”، وسهل “بلي”، و”بويضان” شمالاً، وإلى “حرّة الزلف”، ومنخفض “الرحبة” شرقاً، وإلى منخفض “الأزرق” جنوباً، وكانت الاستفادة من هذه المياه محصورة في العصور القديمة على ما يتخلف من مياه جمعت في برك أو مطوخ في بطون الأودية، أو في غدران وقيعان الأغشية البازلتية، وتنتشر البرك والمطوخ في جميع أنحاء المنطقة، بينما تنتشر الغدران والقيعان في صبات “اللجاة”، وشرقي الجبل، وشماله الشرقي.
أما عن الينابيع وعيون الماء المتفجرة في الجبل، فيوضح أبو رايد: تؤلف العيون والينابيع المصدر الآخر للمياه العذبة منذ سكن الإنسان الجبل وهوامشه، لكنه مصدر لا يعتمد عليه لجفاف معظم الينابيع في فصل الصيف، ولتذبذب غزارتها من سنة إلى أخرى بحسب كميات المياه الهاطلة والمتسربة في الطوابق المغذية للينابيع، ولضعف غزارتها بصورة عامة، ويقدر عدد الأماكن التي تتفجر فيها الينابيع بأكثر من 120 مكاناً، بعضها توجد فيه مجموعات من العيون، وتنعدم العيون في “اللجاة”، والشمال الشرقي، وتقل في المقرن الشرقي والجنوبي، بينما تكثر على السفوح الغربية والشمالية من كتلة الجبل، ومن الينابيع الهامة: نبع عين “بدر”، و”عرى”، و”الكفر”، و”المزرعة”، وغيرها الكثير.
وفيما يتعلق بكيفية المحافظة على هذه المياه وجرها وتخزينها قال: يبدو أن السكان القدماء لجبل العرب وحوران قد قطعوا شوطاً متقدماً في التحكم بالمياه السطحية والسيول، وجرها إلى البرك والخزانات المكشوفة، بدليل الانتشار الواسع للبرك، ووجود آثار تدل على قنوات قديمة كقناة “العفريت” في وادي “الشامط”، ومنطقة “النمارة”، وقناة وادي “اللوى”، والقناة في منطقة “القريا” التي قامت بعثة سورية- فرنسية بالكشف عنها في عام 2004-2005.
أما عن السدود التي بناها الإنسان في العصر البرونزي، فأوضح أبو رايد ذلك بالقول: نجح الإنسان منذ القديم في جمع مياه الأمطار عبر سدود بناها في مجرى الوادي مثل “الامباشي”، ومطوخ، وآبار “اللبوة”، و”المرصرص”، و”الدياثة”، و”طفحة”، وخزانات “السويداء”، و”قنوات”، و”شهبا”، وجر المياه من التلال البعيدة إلى هذه الخزانات، والمطوخ مثل “شهبا”، و”طفحة” عبر أقنية حجرية سايرت تعرجات الأرض الطبيعية، وسقّّفها بالبلاطات الحجرية لحماية المياه داخلها من التلوث، كما استغل الفائض من مياه الوديان بتشغيل مطاحن الحبوب في كل من “عتيل”، و”الدياثة”، و”الغيضة”، واستمر الاعتماد على مياه السدود في المحافظة حتى اليوم، ولكن دخول استثمارات الآبار الجوفية وفر المياه النظيفة لنسبة كبيرة من السكان، سواء مياه الشرب أو مياه الري.
انتعاش الآمال
حالة الجفاف التي شهدتها المنطقة في السنوات العشر الأخيرة جعلت عملية الاستفادة من المياه السطحية بالحدود الدنيا، فتقرير مديرية الموارد المائية في السويداء أشار إلى أن الحجم التخزيني لسدود السويداء مازال تحت الحجم الميت للتخزين، كما أشار إلى خروج جميع سدود المحافظة من الاستثمار جراء الانحباس المطري، وعدم وجود هاطل ثلجي لتغذية تلك السدود، وخاصة المستثمر منها لتغذية قرى وبلدات المحافظة بمياه الشرب، علماً أن حجم التخزين الأعظمي لسدود المحافظة 69 مليون متر مكعب.
وأكد التقرير الانتهاء من أعمال الصيانة لسد المشنف الشمالي، وسد الطيبة، كما جرى الانتهاء من مشروع خط الربط بين السدين، وهو قيد الاستلام، كما جرى إبرام عقد لصيانة سد الغيضة بقيمة 715 مليوناً، مع التوجيه بالتريث لتصديق العقد.
وأشار التقرير إلى أنه يجري العمل على تنفيذ ثلاث سدات مائية في بلدة الكفر للاستفادة من تجميع مياه الأمطار لدعم مياه الشرب، وأغراض الري، ويبلغ الحجم التخزيني للخزان التجميعي الأول 55 ألف متر مكعب، والخزان الثاني 52 ألف متر مكعب، والثالث 27 ألف متر مكعب، كما يتم العمل على تنفيذ سدة المنيذرة لأغراض الري، وسقاية المواشي بحجم تخزيني يصل إلى 60 ألف متر مكعب، إضافة إلى الانتهاء من خمس سدات مائية تم وضعها في الاستثمار لسقاية الأشجار، والمواشي، وبحجم تخزيني يصل إلى 315 ألف متر مكعب، كما تتم حالياً دراسة مشروع إنشاء 4 سدات في غيضة حمايل– مياماس- الصايغ– المقنية.
ولفت التقرير إلى قيام مديرية الموارد المائية بمؤازرة مؤسسة المياه لتأمين حاجة المواطنين من مياه الشرب عن طريق 49 بئراً من آبار مياه المكرمة، إذ تم وضع 10 آبار تحت تصرف المؤسسة بشكل كامل، و39 بئراً بشكل جزئي عند الحاجة، إما عن طريق الربط على شبكة مؤسسة المياه، أو عن طريق الاستجرار بالصهاريج، مع التأكيد على وجود 84 بئراً مستثمراً من آبار المكرمة في المحافظة البالغ عددها 110 آبار، إضافة إلى وجود 20 بئراً قيد التجهيز، منها 15 بئراً في مناطق غير آمنة، و3 آبار قيد الحفر، موضحاً أنه خلال العام الماضي تم تجهيز 15 بئراً، وإقامة شبكات ري حديث عليها (بالتنقيط)، حيث وصل عدد المشتركين بالآبار إلى 4789 مشتركاً، وإجمالي المساحة المروية 1362 هكتاراً، بمقنن مائي بمقدار 1460 متراً مكعباً.
وأشار مدير الموارد المائية بالسويداء الدكتور المهندس نبيل عقل إلى أن كميات المياه المخزنة هذا الموسم حتى تاريخه بلغت 6,447 ملايين متر مكعب مقابل 4,781 ملايين متر مكعب خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وهذه الكميات تزداد بشكل يومي مع ذوبان الثلوج التي سقطت مؤخراً. ولفت عقل إلى أن زيادة نسب التخزين في السدود البالغ عددها 18 سداً وتخزينها الأعظمي 68,332 مليون متر مكعب تتوقف خلال الأيام القادمة على كميات الثلوج، والأمطار المتساقطة، وقدرتها على إحداث جريان في الأودية المغذية لها.
سدات مائية
في المحصلة نقول: إن تحسن نسب التخزين الإجمالية في سدود محافظة السويداء بشكل نسبي جراء تواصل ذوبان الثلوج، وحدوث جريان بعض الأودية المغذية لها، ينعش الآمال بحل أزمة المياه المتفاقمة في محافظة غنية بمواردها المائية، وهنا لابد من وضع خطط عملية لاستثمار كل نقطة مياه تسقط عبر التوسع بإحداث السدات المائية على مجاري الأودية، وإعادة استثمار البرك الأثرية بدلاً من إهمالها وردمها، كما حدث لبركة الحج، وإحداث مصدر مائي احتياطي لكل تجمّع سكاني.
رفعت الديك