أخطأنا.. وما زلنا نخطئ!!
كلنا يذكر، وخاصة الجيل الذي عاصر مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، أيام الحصار والعقوبات الاقتصادية على سورية، كيف كان المواطن السوري يقف طويلاً وفي طابور طويل، كي يتحصل على علبة محارم أو عبوة سمنة أو حتى زجاجة عصير..!
علمتنا تلك المرحلة الاعتماد على الذات في تأمين أمننا الغذائي، فكانت المصانع العامة يوم لم يكن هناك من يأتي ليستثمر، لكن ومع إقدام عدد من المستثمرين السوريين على إنشاء مصانع للتصنيع الغذائي، وإحداثهم شركات استقطبت مئات المساهمين، أمنت المئات من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، واستطاعت التصنيع لعدد من محاصيلنا الزراعية؛ ما أدى إلى دعم المزارعين وتسويق محاصيلهم، وبالتالي توفير منتج سوري تمكن من الانتشار في الأسواق العالمية، وأثبت حضوراً منافساً جودة وسعراً.
نتذكر تلك المرحلة الصعبة وما أعقبها، لنقارنها مع ما يحدث حالياً، مراعين عدداً من الفوارق الهامة، ولاسيما توفر السلع والمنتجات على عكس ما كان سابقاً، لكننا اليوم نقع في خطأ عدم المحافظة على ما أُنجز وحصن اقتصادنا ووطننا وعزَّ المواطن.
فعلى صعيد القطاع الصناعي العام، كم من شركة تم تفشيلها وتدميرها..! وعلى صعيد القطاع الخاص وتحديداً ممن وقف مع الوطن في محنته وامتحانه، وعلى الرغم من محدوديته وقلَّته في الثمانينيات، لم يُشفع لمن أنشأ مصنعاً آنذاك، وقوفه سنداً لدولته واقتصادها وإنسانها، حين دارت الأيام وأنقلبت الحال عليه، علماًًَ أن أسباب ذلك التحول السلبي، لم يكن ليتحمل مسؤوليته وحده، لا بل كان للبيروقراطية الحكومية وعدم التسهيل في الاستثمار والتشغيل وزن ثقيل فيما آلت إليه بعض الاستثمارات من فشل..!
من تلك الاستثمارات المأسوف على شبابها، مصنع عصير الجبل الطبيعي الذي أقيم في السويداء على قانون الاستثمار 10 لعام 1991، كشركة مساهمة عامة مغفلة ضمت 1750 مساهماً، برأس مال 400 مليون ليرة، وفرت 300 فرصة عمل مباشرة.
الريادة التي تسجل لأصحاب تلك الشركة، تمثلت بإقامتها لأكبر مصنع لتصنيع العصائر الطبيعية والمركزة على اختلاف أنواعها، حيث عُدَّ آنذاك الوحيد بتصنيع العصير المركز “الكونسنتريت” في سورية والشرق الأوسط، إذ حازت الشركة على مجموعة شهادات دولية في التقانة والجودة، كما حازت على أول شهادة إيزو عربية دولية من اتحاد الصناعات الغذائية العربية ومن جامعة الدول العربية. تلك الشركة واجهت منذ تأسيسها العديد من المصاعب والعقبات أوقعتها في الخسارة تلو الخسارة حتى وصلت إلى مرحلة الإفلاس.
الشركة التي كانت منفذاً أساسياً لتصريف الإنتاج الزراعي على أكثر من مستوى محافظة، هي نموذج ومثل نسوقه، لنقول بالمختصر: مع أنه كان ولا يزال بالإمكان إنقاذها، إلاَّ أن هناك بعد أن أقدم على ذلك تراجعاً..!
علماً أن الشركة نفسها طلبت الدعم الحكومي سواء كان استثمارياً أو مالياً، لكن تفلح محاولتها، والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا لا تدخل وزارة الصناعة بشراكة عبر معمل عنبها في المحافظة وتستفيد من خطوط الإنتاج الموجودة والمتميزة..؟ بحيث تتبع إدارتها لإدارة المعمل، وبذلك يتحقق هدفان بآن معاً، أولهما: إنقاذ تلك الشركة من الإغلاق وكذلك الاستفادة من أسواق تصريف المنتجات التي وصلت إليها في أمريكا وجنوب أفريقيا وروسيا وأوريا.
نسأل انطلاقاً من أن وزارة الصناعة تدرس إنشاء معمل في السويداء، وعقدت عدة اجتماعات بهذا الخصوص لدراسة نوعية هذا المعمل، ومعظم الاقتراحات تصب في منحى الصناعات الزراعية، التي طالما أكدت الحكومة على تشجيع ودعم مثل تلك الصناعات..! فلماذا لا يقدم الدعم لهذه الشركة والدخول برأسمالها والإشراف عليها إدارياً ومالياً، أو حتى شرائها..؟
ولماذا لا تُدعم الدراسة التي عدت للنهوض بها من جديد، علماً أنها تتطلب 400 مليون ليرة لتعود إلى العمل بطاقتها الإنتاجية البالغة 30 ألف طن من الفواكه سنويا..؟!
حين نعلم لماذا تم تفشيل مصنع عصائر وزارة الصناعة في الساحل، وكيف تمنح الموافقات والتراخيص لإقامة مصانع خاصة جداً، لا مساهمة، يجب أن ندرك أننا أخطأنا ولا زلنا نخطئ..!؟
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com