حتى لو كان جزئياً..!
إذا ما تفقنا جميعاً على أن البيروقراطية تندرج ضمن خانة “الداء المقيت”، فإن هذا الداء لا يعرقل تسهيل أمور المواطن قبل المستثمر فحسب، بل يتسبب في كثير من الأحيان ليس بخسارات مادية فقط، بل معنوية أيضاً ربما لا تعوض..!
ما يثير الاستغراب حقيقة في هذا السياق هو أن أغلب القوانين الناظمة للعمل هي من ترسخ البيروقراطية وما يتبعها من روتين يحد من سرعة انسياب أية معاملة مهما كانت بسيطة..!
ومع إقرارنا بأن القوانين والأنظمة تعتبر المنهج المحدد لسير عمل أية مؤسسة أو إدارة، إنتاجية كانت أم خدمية بهدف الوصول للخدمة والمنتج المثاليين، ومع إدراكنا بأن هذه القوانين تتباين بين مؤسسة وأخرى حسب طبيعة وآليات عملها فلكل واحدة مهمة وبرامج محددة تتوافق والهدف المنشود من إحداثها، إلا أن السؤال المطروح هنا إلى أي حد تراعي القوانين طبيعة كل مؤسسة على حدة، وما أهمية تباين هذه القوانين في خدمة أداء هذه المؤسسات، كما أنه ألا يجدر أن تعطى كل مؤسسة مرونة تخولها من تطبيق روح القانون حتى تتمكن من تسيير أمور البلاد والعباد، بدلاً من التقيد بالنص الحرفي للقانون، وبالتالي الدخول في غياهب البيروقراطية والروتين المقيقتين..!
في خضم هذا المشهد يبدي البعض مخاوفه من فتح أبواب جديدة للفساد في حال إعطاء مؤسساتنا مثل هذه المرونة، وتعليق تجاوزات وإخفاقات مُسيّريها على شماعة الأزمة، على اعتبار أن الفساد لا يتعلق فقط بسوء النوايا وما يتمخض عنه من تجاوزات وصفقات مشبوهة، وإنما له علاقة أيضاً بسوء تطبيق القوانين حتى لو كانت بحسن نية..!
إذاً نحن أمام تحدٍ لا يمكن تجاوزه بسهولة، لكن إذا ما تم اعتماد الأتمتة سبيلاً لتسيير أمور المراسلات الإدارية، من خلال إنعاش مشروع الحكومة الإلكترونية الذي دخل في سبات منذ اللحظات الأولى للأزمة، فإن ذلك سيبدد قتامة المشهد العام الناجم عن الإدارة من خلف المكاتب، وما ينجم عنها من شبهات نتيجة التماس المباشر بين المواطن والموظف..!
أما إذا كان هناك تعذر موضوعي لإنعاش هذا المشروع كاملاً، فلما لا يتم إنعاشه جزئياً بحيث يشمل المعاملات الضرورية وما تفرزه من طوابير غير حضارية تنم عن مسلكيات مشبوهة من قبل بعض المفاصل الإدارية..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com