أمريكا أنهكت من فوضى الشرق الأوسط
سمر سامي السمارة
لم
تعد الفكرة التي تدعي أن التواجد الأمريكي في سورية هي المفتاح لمنع عودة
“داعش”
إلى الأراضي السورية تقنع أحداً، فقد استعاد الجيش السوري وحلفاؤه المناطق الواقعة
غرب نهر الفرات التي كان ينتشر فيها هذا التنظيم الإرهابي، على الرغم من الجهود
الكبيرة التي بذلتها وتبذلها واشنطن لعرقلة العمليات الأمنية للحكومة السورية.
وقد أثبتت دمشق وحلفاؤها قدرتها على هزيمة “داعش” بشكل نهائي، وذلك بقطع خطوط إمداداتهامن تركيا والحدود الأردنية والعراقية، وتمكّنها أيضاً من قمع محاولات المنظمة الإرهابية إعادة تشكيل نفسها غرب الفرات.
إن حقيقة استمرار وجود “داعش” في المنطقة الوحيدة التي تخضع للسيطرة الأمريكية تثير الكثير من التساؤلات والجدل، ليس حول عدم بذل أي جهود لواشنطن لإلحاق الهزيمة بـ “داعش” فحسب، بل حول ما إذا كانت واشنطن تدعم بشكل متعمد قدرة المنظمة الإرهابية على القتال لتكون بمثابة ذريعة لاستمرار الاحتلال غير القانوني للأراضي السورية.
وبحسب تقرير لوزارة الدفاع الأمريكية، فإن القوات المدعومة من الولايات المتحدة سوف تستمر في القتال لاستعادة مواقع معاقل “داعش” المتبقية في سورية، وترى أن “داعش” قوة فعالة في المعركة فمقاتلوها أشداء، ومن الممكن “عودة ظهورهم في سورية” مع غياب الضغط المستمر على مكافحة الإرهاب، ولا يزال التنظيم قادراً على شن هجمات منسقة وشن هجوم مضاد.
كما يدعي التقرير أيضاً، أن تنظيم “داعش” يقوم في الوقت الحالي بتجديد المهام والقدرات الرئيسية بسرعة أكبر في العراق، مما هو الحال في سورية، لكن في غياب الضغط المستمر (لمكافحة الإرهاب)، قد يظهر “داعش” في سورية من جديد خلال مدة تتراوح بين ستة إلى اثني عشر شهراً، ويستعيد مساحة محدودة في وادي نهر الفرات الأوسط.
ويشير التقرير نفسه إلى أن آخر معقل لـ “داعش” موجود تحديداً في الأراضي الخاضعة للاحتلال الأمريكي في الضفة الشرقية لنهر الفرات، حيث تعرضت القوات السورية لهجمات متكررة من قبل الوكلاء المدعومين من الولايات المتحدة ومن القوات الأمريكية نفسها.
إن الحقيقة التي ذكرها التقرير حول تجديد “داعش” للمهام والقدرات الرئيسية في العراق بسرعة أكبر مما هو عليه في سورية تظهر مدى عجز أو عدم اهتمام الولايات المتحدة بشكل فعلي في مواجهة “داعش” وإلحاق الهزيمة به، فوجود “داعش” يبقى بمثابة الذريعة الأكثر إقناعاً لتبرير احتلال واشنطن المستمر لأراض في سورية والعراق.
ويعتبر التقرير مجرد الاعتراف بأن المقاتلين المدعومين من الولايات المتحدة في سورية يفتقرون إلى القدرة على التغلب على خطر “داعش” دون دعم دائم من واشنطن، وأن داعش قد هُزم بشكل كلي، ولكن يمكن “ظهوره من جديد” في غضون عام دون دعم من الولايات المتحدة يسلط الضوء على ضعف وعدم شرعية هذه القوى.
في المقابل أثبتت الحكومة السورية -على العكس من ذلك- القدرة على إعادة فرض السيطرة على الأراضي، ومنع عودة الجماعات المتطرفة بما في ذلك تنظيم “داعش”. ولو كانت الولايات المتحدة مصممة فعلياً على تدمير “داعش” لدعمت قوى في المنطقة قادرة على تحقيق هذا الهدف.
في الواقع هدف الولايات المتحدة في كل من سورية والعراق هو تقويض قوة ووحدة كلا البلدين، وعزل إيران المجاورة وتطويقها بشكل متزايد، فالولايات المتحدة نفسها خلقت بشكل متعمد “داعش” والعديد من الجماعات المتطرفة التي تقاتل إلى جانبها.
وكشفت مذكرة تم تسريبها عام 2012 من وكالة الاستخبارات الأمريكية عزم الولايات المتحدة وحلفائها خلق ما سمته في ذلك الوقت “إمارة سلفية” في شرق سورية، وتذكر المذكرة بوضوح: أنه في حال تدهورت الحالة هناك فمن الممكن إنشاء إمارة سلفية معلنة أو غير معلنة في شرق سورية (الحسكة ودير الزور)، وهذا بالضبط ما تريده القوى الداعمة للإرهابيين، من أجل عزل الحكومة السورية.
وبالفعل تم إنشاء “إمارة” سلفية في شرق سورية بالضبط تماماً كما خطط صانعو السياسة الأمريكيون وحلفاؤهم، ويُطلق عليها اسم “داعش” ويتم استخدامها أولاً لشن حرب أكثر عدوانية بالوكالة ضد دمشق -وعندما فشل ذلك- تتم دعوة القوات العسكرية الأمريكية للتدخل في النزاع مباشرة.
بعد عدة سنوات، ومع الفشل الذريع لوكلاء الولايات المتحدة في سورية بشكل كامل، تحتمي بقايا “داعش” المحطمة بشكل حصري في المناطق التي تخضع الآن للحماية الفعلية للقوات الأمريكية، وتستخدم كذريعة لتأخير أو منع أي انسحاب كبير للقوات الأمريكية.
ويرى المحللون أن إعلان ترامب عن انسحاب القوات الأمريكية من سورية ومحاولات التراجع عن الانسحاب، ما هو إلا صراع بين البيت الأبيض والبنتاغون، وعلى الأرجح أن ذلك نتيجة لسياسة خارجية متدهورة تتأرجح بين خيارات سيئة وخيارات أكثر سوءاً.
كما أن عدم قدرة الضربات الجوية الإسرائيلية على اختراق الدفاعات الجوية السورية، وعدم قدرتها على التسبب في أي ضرر كبير على الأراضي السورية، سلط الضوء بشكل إضافي على عجز الغرب وعقّد خطط واشنطن في التحرك نحو المستقبل.
كما أن سياسة تركيا المناورة تجاه سورية واحتمالات توغلها في عمق الأراضي السورية وفقاً لـ تقرير المفتش العام في وزارة الدفاع لن يؤدي إلا إلى مزيد من تغلغل القوات التركية وتوريطها، ما يخلق نقاط ضعف يمكن استغلالها بسهولة من قبل الجالسين على طاولة المفاوضات مقابل أنقرة.
كما لا يزال من غير المؤكد ما ستفعله أنقرة، ولكن كشريك راغب مبدئياً في حرب بالوكالة تحركها الولايات المتحدة في سورية، فقد تركت الآن أمام خياراتها البغيضة.
ومن المثير للاهتمام ما ذكره تقرير المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية من أن قدرة “داعش” لمتابعة القتال تعتمد على المقاتلين الأجانب و”التبرعات الخارجية”، مايعني بالتأكيد أن تقرير وزارة الدفاع وأعمال الولايات المتحدة تقتربان من الدفاع علانية عن بقايا “داعش”.