أسامة جحجاح..تأليف اللوحة أم إعادة صياغتها؟
دخلت التقنيات الرقمية مجالات الإبداع والفنون وأضحت عند البعض أحد مستلزمات إنتاجها الضرورية وذلك لما تؤمنه هذه الكفاءات الإلكترونية من خدمة وتوفير للوقت ومن دقة متناهية في مجالي التصميم والتنفيذ، وقد دخلت هذه التقنيات مجال الفن التشكيلي رغم حساسية بعض المشتغلين فيه من هذه الواسطة الرقمية التي تتعامل مع اللون والخط، وفق معادلات رياضية وأرقام حسابية أو أزرار وأوامر تتضمنها لوحة المفاتيح والبرامج الغرافيكية، مستبعدة ذلك الهاجس المادي اليدوي الذي اختبر رائحة زيت “التربنتين” والمواد الوسيطة والحاملة للألوان والأصبغة، يبدو أنه لا مفر من هذه الأدوات الجديدة التي تحمل سمات هذا العصر بسرعته واحتياجاته التي تسعى لتلبية نهم الإنسان وولعه بما هو جديد، ربما يتحسس البعض من إدخال العنصر التقني الإلكتروني في مجال الفن التشكيلي ويحسبونه ضمن نطاق فن الإعلان وفن الوظيفة ليس إلا، ولن يكون له حساب في الفنون التي تدخل المتاحف أو تنتمي لفلسفة الفن أصلا، على اعتبار أن اللوحة فريدة وعزيزة ولن يشاركها فن الطباعة بشيء من ولادتها أوفي صياغتها وظروفها.
لن يكون هناك حكم نهائي على هذه الفنون الرقمية من حيث القبول أو الرفض لها الآن، إلا أن اتساع مساحة القبول لها من قبل المقتنين زاد من رصيدها مثلما زاد في ذلك توفر الثراء اللوني والتقني وبراعة منتجيها ومسوقيها بحيث أضحت تنافس الأعمال الفنية التقليدية، ولا يخفى على أحد أن هناك العديد من التشكيليين الذين يقومون بطبع العمل الفني على القماش ومن ثم يلونون فوقه، تحقيقا لسطح يدوي يحقق القيمة التشكيلية التي يوفرها سطح اللوحة كما أن البعض الآخر يكتفي بحدود الطباعة ويقدمها في معرض لا يختلف عن أي معرض تقليدي للوحة!؟.
نحن أمام تجربة الفنان أسامة جحجاح التي أثبتت ذاتها الفنية واستطاعت أن تشق طريقها وتنافس بجدارة وقدمت لوحة متكاملة البناء والصياغة، فقد افتتح مؤخرا معرضه الجديد في فندق الشيراتون بدمشق، إذ قدم عدداً من الأعمال المنفذة بتقنية الطباعة الرقمية تميزت بالقدرة العالية على التأليف بين عدة عناصر وجمعها في توليفة جديدة متناغمة اشتملت على عناصر من الخط العربي والحلي والأحجار الكريمة والزخارف والوجوه الأنثوية، إضافة إلى مساحات أنشأت من خلال برامج الغرافيك الالكترونية “فوتشوب – الستريتر..” ويلحظ في هذه الأعمال كم كبير من الأرشيف الفني المستخدم من قبل الفنان يعود لأعمال فنية معروفة يعيد استخدامها كعنصر في لوحته العتيدة، مما يجعل السؤال مشروعا عن حق استخدام هذه الأعمال وإعادة تدويرها من جديد!؟ فمثل هذه التجربة أين تقع؟ في التأليف أم إعادة الصياغة الفنية؟
ربما نجح الفنان جحجاح في تأليف معادلته الفنية في تأليف وخلق لوحته بأدوات حديثة تؤكد مشروعية استخدام كل ما هو متاح وممكن لخلق الدهشة والتأثير، وحسبي أن وراء هذا النجاح موهبة واضحة يمتلكها الفنان فاستحق أن يحتل هذه المكانة اللائقة بفنان يؤكد حضوره في المشهد التشكيلي السوري، ويفتح الباب أمام مستخدمي هذه التقنيات لإنجاز اللوحة ولكن بشروط مقنعة أقل ما يقال أن أسامة جحجاح أدركها وتجاوزها.
أكسم طلاع