عندما تهتز شخصية المدرس وتنكسر صورة “مربي المجتمع”!! وزير التربية لـ”البعث”: ممنوع المساس بهيبة المعلم.. ومشروع الترقية الوظيفية قريباً
الحديث عن ظاهرة الاعتداء على المعلمين وضرب صورتهم الجليلة لا يعدو عن كونه شكلاً من أشكال التشويش على العملية التعليمة من قبل ضعاف النفوس، وجر البعض بقصد أو بغيره لكسر صورة المعلم “المربي” من خلال تصرفات لا أخلاقية، وذلك بالاعتداء على هذا الرمز التعليمي والتربوي والاجتماعي الذي كان في الأساس وجهاً اجتماعياً ينظر له نظرة هيبة لا تخلو من الرهبة، إلا أن ما حدث في الأيام الماضية القليلة من اعتداء على مدرس في محافظة طرطوس، ومهما كانت ملابسات القضية، يستدعي الضرب بيد من حديد ومحاسبة كل من تسول نفسه الاستهتار بالقيم والأخلاق في المؤسسات التربوية حسب تأكيدات وزير التربية عماد العزب الذي أوضح أن الوزارة ستتابع الإجراءات القانونية والقضائية من أجل أن يحصل المدرسون على حقوقهم كاملة، مع كل الاحترام للمدرس ضمن الظروف الصعبة، وفي ضوء كل المعطيات التي يمر بها.
ارتقاء وتطوير
ولم يغفل وزير التربية في تصريح خاص لـ”البعث” مسؤولية الوزارة بالارتقاء بالسوية العلمية للمدرسين، كاشفاً عن مشروع الترقية الوظيفية الذي يتم العمل عليه في وزارة التربية من خلال زيادة التعويضات وتطوير قدرات المدرسين، حيث ستظهر نتائج هذا المشروع قريباً مما سينعكس إيجاباً على حياة المعلمين، وسيسهم في الارتقاء بالعلمية التربوية والتعليمة والتي يعد المدرس أساساً فيها، مشدداً على تطبيق القانون على كل من يتجرأ على القطاع التربوي، ويحاول النيل من هيبة العاملين فيه، في وقت يعتبر الخبراء التربويون أن وزارة التربية أمام معادلة صعبة بكيفية تحقيق الهيبة والوقار للمدرس من خلال أسلوب تربوي قويم يحافظ على القيم التعليمية والتربية، مشيرين إلى الماضي، عندما كان المدرس هو الأب الثاني للتلميذ، حيث يقوم بتوجيه وإرشاده وإذا عاقبه فيكون العقاب ليس مبرحاً أو مهيناً، في الوقت الذي يؤكد مختصون أن هيبة المعلم تنبع من سلوكه المستقيم وقوته العلمية واتزانه العقلي وشخصيته الوقورة، وتعامله الحسن وأخلاقه الكريمة.
تأثير البيئة
واعتبرت الاختصاصية التربوية سلام قاسم أن هيبة المدرس لا تتحقق باستخدام العصا، موضحة أن الهيبة تتطلَّب توفّر عدد من الشروط في المعلم، ومنها أن يكون مدركاً لقواعد التربية السليمة ومدى دوره في توجيه وإعداد وتقويم طلابه؛ مما يخلق علاقة وطيدة بينه وبين الطالب. ولم تخفِ قاسم ضرورة توفير حياة كريمة للمعلم؛ كي يتخلَّص من الأعباء والضغوط الواقعة عليه، ولاسيما أن هناك تأثيراً كبيراً لبيئة العمل والأسرة والمعلم نفسه، إضافة إلى جانب بعض الطلاب ممن لا يرغبون في التعليم.
تشويش “فيس بوكي”
من جهتها حملت المرشدة الاجتماعية رغداء خير بك بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي فعلت فعلتها في التشويش على العملية التعليمية والتأثير على المدارس الحكومية من قبل بعض أصحاب المدارس والمعاهد الخاصة التي استغلت الظروف وبدأت تعزف من خلال جوقاتها على “الفيس بوك” نغمات النشاذ من خلال اختلاق الأكاذيب والقصص الخيالية ونسج حكايات ليست صحيحة عن المدارس الحكومية؛ لترهيب الأهل وفقدان الثقة بين الأسرة والمعلم، مما يجعل الطريق ممهداً إلى مدارسهم ومعاهدهم، إذ لطالما حذرت ونبهت وزارة التربية من اعتماد وتبني الأخبار المتناقلة “فيس بوكياً”، وهي التي أكدت في أكثر من مناسبة بأنها لا تملك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، والموقع الإلكتروني هو الجهة المعتمدة الوحيدة، وشددت في تعميمها على كافة المديريات في المحافظات على عدم إنشاء صفحة لأي مدرسة إلا ضمن شروط وموافقة التربية، وبإشراف من المديرية. ومع مطالبات المتابعين للشأن التربوي بمنع الدروس الخصوصية منعاً مطلقاً وتشديد الرقابة على المدارس الخاصة، تأتي أصوات من هنا وهناك لتقويض العمل التربوي وخاصة ما جرى مؤخراً حول تفتيش المنازل لمنع الدروس الخصوصية ما خلق إرباكاً وفهماً خاطئاً للتعليمات التربوية، ليأتي تصحيح ما حصل على لسان وزير التربية الذي أوضح أنه ليس من حق أحد اقتحام منازل المعلمين، ولاسيما أن القانون واضح حيث يطبق على المعاهد والمدارس المخالفة وغير المرخصة، مع وجود شكوى من أحد الجوار، مشيراً إلى أن حالات الاقتحام لمنازل خاصة من الضابطة العدلية لا يمت للحقيقة بصلة، وهذا ما أكده المرسوم التشريعي رقم /7/ لعام 2017، وأن الغرامة المالية/500.000/تطبق على المعاهد الخاصة وغير المرخصة، ولا تطبق على الأفراد.
المدرس القدوة
في حين يشدد خبراء تربويون على ضرورة تحديد موضوعي لمواقع عمل المدرسين يراعى فيه القدم الوظيفي والكفاءة وتأمين سيادة القانون، مع خلق علاقة إيجابية تقوم على التفاعل الحر بين المدرس والطالب تعتمد على الفاعلية الذهنية لكليهما، وتنمية المواهب والإبداعات الخاصة لكل طالب، والتنسيق الإيجابي بين الأسرة والمدرسة، ليتفق الجميع على أهمية اتخاذ إجراءات جادة من قبل وزارة التربية والجهات المعنية لمنع الدروس الخصوصية حتى تبقى صورة المعلم إيجابية أمام طلابه تعكس دوره كمربٍّ، وخاصة أن وضع المدرس داخل المدرسة الآن هو السبب الرئيسي في ضياع هذه الهيبة، حيث تساءل خبير تربوي: كيف يحصل المدرس على هيبته من تلميذ محتاج إليه كل أول شهر لإعطاء الدروس الخصوصية.؟ مما يتطلب تحسين الوضع المعيشي للمعلم بحيث يستغني عن الدروس الخصوصية، في الوقت الذي لم يغفل الخبراء ضرورة احترام المدرس لنفسه أمام تلاميذه، وأن يكون صاحب شخصية ثقافية تعليمية تعي دورها في تكوين شخصية الطلاب ودورها في إعداد قيادات المستقبل، ومن ثم يعود المدرس القدوة لتلاميذه مرة أخرى كما كان في الماضي.
لغة الحوار
وحسب رأي اختصاصيين نفسيين فإن الظروف الاقتصادية الصعبة وكثرة الهموم والمشاكل الأسرية غيبت لغة الحوار بين الأهل والتلميذ، ولاسيما أن المعلم هو بالأساس مواطن يعاني وتؤثر عليه الحياة المعيشية الصعبة مما يخلق حالات توتر بين جميع الأطراف المعنية، لافتين إلى أهمية إعادة تفعيل مجالس أولياء الأمور وتحقيق التواصل الفعلي بين الأسرة والمدرس، والتأكيد على الدور التكاملي بين الطرفين.
إجراءات ملحة
آخر القول.. كما اتفق الجميع على أهمية دور المعلم كونه الحامل الحقيقي في العملية التعليمية يتفق الخبراء والمتابعون وعلى رأسهم وزارة التربية أن تحسين الوضع المعيشي للمعلم أصبح حاجة ملحة لابد منها لحماية المدرس والطالب في آن معاً، إضافة إلى قرارات صارمة وحازمة لردع المخالفين ومحاسبة المرتكبين واختيار الإداريين الكفوئين، وتأهيل الناجحين من مسابقات المدرسين قبل زجهم في الميدان التربوي.
علي حسون