العلاقات الأمريكية الإيرانية
إعداد: لمى عجاج
ليس في ذاكرة من يبلغون من العمر أربعين عاماً أو أقل في إيران، أو الولايات المتحدة الأمريكية، أو أي مكان في العالم، أي مشهد من مشاهد الوئام والصداقة بين طهران وواشنطن، فالأزمة بين الطرفين وصلت إلى درجة التهديد باستخدام القوة، وهذا التصعيد في الأزمة بين طهران وواشنطن فجرته تصريحات مثيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتعلق بتوجه أمريكي يقضي بمنع إيران من تصدير نفطها ضمن سياسة العقوبات الأمريكية المتصاعدة ضد طهران، مدعومة بإجراءات أمريكية فعلية لافتعال أزمة نفطية ضد إيران، وعندما سألت محطة ” فوكس نيوز” الأمريكية الرئيس ترامب: هل ستفرض عقوبات على الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران، كانت إجابته: “نعم بالطبع هذا ما سنفعله قطعاً”.
إن جدية هذا التوجه الأمريكي تأكدت بالهجوم الحاد الذي شنّه الرئيس الأمريكي على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لاعتقاده بعدم تجاوبها مع مطلب زيادة إنتاج النفط، انطلاقاً من قناعة المنظمة بأن ذلك من شأنه أن يخلّ بسياستها ومصالح الأعضاء، ومنهم إيران بالطبع، الرئيس الأمريكي اتّهم أوبك بالتلاعب بأسواق النفط العالمية، وجاءت تصريحات ترامب بعد ساعات من تصريحات جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني حسن روحاني، قال فيها: “إن بلاده ستتيح للشركات الخاصة تصدير النفط بطريقة شفافة”، وذلك في إطار استراتيجية إيرانية لإجهاض جهود الأمريكيين لوقف تصدير النفط الإيراني، إيران التي تعتبر أن تصدير النفط بالنسبة لها يعدّ بمثابة “مسألة حياة أو موت”، باعتبار أن إيرادات تصدير النفط هي أهم موارد الميزانية الإيرانية على الإطلاق، لهذا قررت إيران أن تتحرك على مسارين: المسار الأول كان احتواء تلك الجهود الأمريكية في منظمة الأوبك، أما المسار الثاني فكان التهديد بمنع الدول الأخرى من تصدير نفطها عبر الخليج العربي ومضيق هرمز، وعلى عكس هوى الرئيس الأمريكي جاء موقف منظمة أوبك داعماً للجهود الإيرانية، ما دفعه إلى مهاجمة المنظمة التي حالت دون تمكينه من إيجاد حلول للإضرار بمصالح إيران، والتي سوف تترتب على منع تصدير النفط الإيراني عبر زيادة إنتاج دول أخرى منها الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وروسيا التي تعتبر من أهم الدول المصدرة للنفط من خارج أوبك، أما فيما يتعلق بالمسار الثاني فجاءت الجهود الإيرانية أولاً على لسان الرئيس حسن روحاني خلال استقباله الجالية الإيرانية المقيمة في سويسرا ضمن جولته الأوروبية عندما هدّد بمنع عبور شحنات النفط من الدول المجاورة في حال مضت واشنطن قدماً في خططها لإجبار جميع الدول على وقف شراء النفط الإيراني، وأعقب هذا التهديد دخول أطراف عسكرية داعمة له بدأها العميد إسماعيل كوثري من قادة الحرس الثوري الذي هدّد بعدم خروج النفط من الخليج العربي إلى أية جهة في العالم إذا لم يُسمح لإيران بتصدير نفطها، ثم أعقبه الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الذي أسرع بإرسال برقية دعم وتأييد للرئيس الإيراني حسن روحاني مخاطباً إياه بالقول: “إن الحرس الثوري مستعد ليطبق أية سياسة من شأنها أن تعرقل تصدير النفط إقليمياً في حال قيام أمريكا بعرقلة صادرات النفط الإيرانية، وأنا في خدمتك لتطبيق أية سياسة تخدم الجمهورية الإسلامية”، ما أجج الإدارة الأمريكية، فجاء الرد الأمريكي بأن البحرية الأمريكية في المنطقة قادرة على حماية صادرات النفط، ليأتي الجواب على لسان الرئيس الجديد للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية حشمت الله فلاحت بيشه الذي قال: “إن الرئيس الإيراني لم يقصد بكلامه منع تصدير النفط من المنطقة، وإن إيران لا تنوي خرق المعاهدات الدولية”.
وفي المقلب الآخر فإن صدام المصالح الحاصل بين الاتحاد الأوروبي والصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، والذي لم يرتق بعد إلى مستوى الأزمة نتيجة لسياسة الرئيس الأمريكي التي اعتمدها بفرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الخارج، وبالذات مع كبار الشركاء التجاريين، وعلى الأخص الاتحاد الأوروبي، وكندا، والصين، دون أي اعتبار للقواعد الحاكمة للتجارة الدولية التي تعتمد على حرية التجارة، ونبذ السياسات الحمائية الوطنية التي أكدتها القواعد القانونية المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية، كل ذلك خدم مصلحة إيران ودعم موقفها، لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أن يفجر أزمة داخل اجتماع قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في مقاطعة كيبيك الكندية عندما أصر على فرض رسوم جمركية على واردات بلاده من الاتحاد الأوروبي، وكندا، وخاصة الصلب والألمنيوم، وعندما قرر سحب توقيع بلاده على البيان الختامي لتلك القمة بعد أن غادرها مبكراً إلى سنغافورة استعداداً للقائه مع زعيم كوريا الديمقراطية كيم جونغ أون، وقبل هذا كله كان الرئيس الأمريكي قد أعلن انسحابه من الاتفاق الدولي الموقع مع إيران حول برنامجها النووي دون أي اعتبار للرفض الأوروبي لهذا الانسحاب، وباقي الشركاء الموقعين عليه (روسيا والصين)، وزاد على ذلك توجيهه تحذيرات مشددة للشركات الأوروبية بالمقاطعة الأمريكية إن هي استمرت في التعامل مع إيران رغم أنف حكوماتها، وذلك خشية العقوبات الأمريكية، هذا التوتر المتصاعد في العلاقات الأوروبية- الأمريكية صبّ بالطبع في مصلحة الموقف الإيراني، فدول الاتحاد الأوروبي بدأت تدرك يوماً بعد يوم أن الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب لا تعطي اعتباراً لمصالح حلفائها وشركائها، وأن المصالح الأمريكية فوق كل اعتبار، لذلك اتخذت دول الاتحاد الأوروبي قرارها الحاسم في الاجتماع الأخير الذي عقد في فيينا بين إيران ومجموعة الدول الخمس الموقعة على الاتفاق النووي: (روسيا والصين وألمانيا وبريطانيا وفرنسا)، والبيان الصادر عنه الذي قرأته فيديريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي حسم الموقف، فالبيان ضَمِن لإيران حقها في تصدير النفط، وقرر حماية الشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران من العقوبات الأمريكية، وقد تضمن هذا البيان أحد عشر هدفاً أبرزها تأمين حق إيران في مواصلة تصدير النفط والغاز، وإبقاء قنوات مالية فاعلة مع إيران، واستمرار التبادل معها براً وبحراً وجواً، وتطوير تغطية الائتمان عند التصدير، وتشجيع الاستثمارات الجديدة في إيران، بهذا المعنى يمكن القول: إن الأوروبيين مازالوا في منتصف الطريق بين الحليف الأمريكي وإيران، وإنهم مع تمكين إيران من تصدير نفطها وتعويضها عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وبالإضافة إلى الصين التي دعمت الموقف الإيراني في مواجهة العقوبات الأمريكية، كانت هناك روسيا التي وعدت بمساعدة إيران في بيع نفطها متجاهلة التحذيرات الأمريكية، وأكدت بأنها ستعمل على تعزيز التجارة الدولية، والتعاون الاقتصادي والمالي مع إيران.
إن التحدي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ظل قائماً لأربعين عاماً، ومازالت الولايات المتحدة الأمريكية تبذل قصارى جهدها بكل ما توفر لها من حرب عسكرية واقتصادية وإعلامية، لكن الرابح إلى الآن هو إيران كما أكد خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية.