سورية وإيران.. قصة تحالف
هيفاء علي
تعود العلاقات السورية- الإيرانية في سياقها الراهن إلى عام 1979، العام الذي انتصرت فيه الثورة الإيرانية معلنة عن تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، ومنذ ذلك الوقت تميزت هذه العلاقات بالقوة والصداقة، وغلبت عليها سمات وحدة المصالح والتعاون في كافة المجالات، وانتقلت من تفاهم مصالح ومنافع سياسية إلى تحالف استراتيجي قوي شمل كل الجوانب الاقتصادية والثقافية، وترجمت من خلال إبرام مجموعة من الاتفاقيات التجارية والثقافية بين البلدين، فبعد أسابيع فقط من انتصار الثورة، بدأت الوفود الإيرانية تتقاطر على سورية حاملة في جعبتها تصورات لإقامة روابط خاصة ومتقدمة بين البلدين، فشكّلت ثوابت السياسة السورية ومشروعها الوطني والقومي كدولة محورية في الوطن العربي، إلى جانب التوجهات والإجراءات التي قامت بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها للحق العربي، الأساس المرجعي في التأسيس للعلاقات السورية- الإيرانية.
وفيما اتخذت بعض الدول الإقليمية والعالمية مواقف معادية لإيران بذريعة التخوف من سريان عدوى الثورة إلى أراضيها، اصطفت السياسة السورية إلى جانب الثورة الإيرانية مدفوعة بالحرص على تمكين الثورة الوليدة من الوقوف على قدميها، والاستفادة من إمكاناتها ودعمها في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكما كانت العلاقات السورية الإيرانية محط اهتمام ومتابعة من القيادتين السورية والإيرانية لجهة تقويتها وتطويرها، وصولاً إلى إنجاز متطلبات ما تقتضيه عملية الوصول إلى علاقات استراتيجية بين الدولتين، فإنها بالمقابل برزت كهدف للتآمر والتخريب في دائرة اهتمام القوى الغربية المعادية تحت عناوين وحجج مختلفة يغلب عليها الزيف والتضليل، ما جعل السياسة السورية ترد عليها بزيادة التمسك بمبادئها الوطنية والقومية، وبخيار المقاومة، وتعزيز علاقتها مع إيران، ولكن مع الإبقاء على مساحة بينها وبين السياسة الإيرانية لتحافظ من خلالها على استقلالها وتحيزها لبعض القضايا الأكثر ارتباطاً بمصالحها العربية والدولية، وكما ربحت سورية بموجب هذه الاستقلالية، لم تخسر إيران لأن المصالح الاستراتيجية لكلتا الدولتين بقيت مصانة، وإيران في بداية الثورة ليست كما هي إيران اليوم، الدولة القوية سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، حيث حجزت لنفسها مكانة إقليمية مميزة، وأصبح لها دور إقليمي وعالمي.
وهنا، لابد من الإشارة إلى العوامل التي منحت هذه العلاقات قوتها، وعلى رأسها موضوعية وشرعية الأسس التي تقوم عليها العلاقات بين البلدين كونها تستجيب لتطلعات الشعبين السوري والإيراني، وفي مسعاها لتحقيق حريتها واستقلالها، كما تأتي لترميم وتعويض حالة الضعف في المشروع العربي، وتشتته الذي تجلى بوضوح في الأعوام الأخيرة عندما تعرّضت سورية لضغوطات ومؤامرات عدوانية خارجية تستهدف مرتكزاتها الأساسية، فكانت بعض الأنظمة العربية تتآمر مع الخارج ضد سورية، بينما وقفت إيران موقف الدفاع عن موقف سورية في مواجهة المشاريع المعادية التي كانت تحاول النيل من عزتها وكرامتها.
وكان من الطبيعي أن تمتد مفاعيل هذا الموقف والتعاون السوري- الإيراني إلى القوى المقاومة لتلك المشاريع في لبنان، وفلسطين، والعراق، وإلى حركات التحرر في العالم، فأخذت منه، واستقوت بمعطياته، وأعطته في الوقت ذاته من رصيدها فزادته قوة، وهذا ما جعل من هذا التعاون عامل جذب واستقطاب للشرائح الأوسع والأهم في العالمين العربي والإسلامي، وركيزة قوية يستند عليها أحرار العالم في نضالهم ضد الهيمنة والتسلط، كما أتت استجابة لحاجة كلا الطرفين لإضافة قوة جديدة إلى قوتهما لتعديل موازين القوى في إطار المواجهة التي فرضتها القوى المعادية عليهما، فشكّلتا تحالفاً قوياً مع حركات المقاومة في لبنان والعراق لمواجهة الضغوط الغربية التي تمارس عليهما جراء التمسك بسيادتهما ووحدة أراضيهما، ورفض الإذعان لإملاءات هذا الغرب المتعجرف، وجدير بالتنويه هنا أنه في الوقت الذي لا تجد سورية أية مبررات لكي تذهب بمفردها لمواجهة الكيان الصهيوني، أو إجراء التفاوض معه في مسعاها الدائم لاسترجاع أراضيها المحتلة دون حليفتها الأساسية إيران، فإن إيران هي الأخرى لا تجد مبرراً في مواجهة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية والغربية التي تمارس عليها دون حليفتها الاستراتيجية سورية التي كان لها دور مشهود في توضيح صوابية الموقف الإيراني، وتبديد الشكوك المصطنعة التي تسوّقها أمريكا وإسرائيل حول عسكرة برنامجها النووي، وإيجاد الذرائع للعدوان عليها، وتخريب منشآتها.
وعندما تكون العلاقات الثنائية السورية- الإيرانية بهذه القوة والمتانة، فمن الطبيعي أن تقف إيران إلى جانب الحكومة السورية وتقدم لها الدعم الاقتصادي والعسكري واللوجستي لمواجهة أشرس حرب تتعرّض لها في تاريخ البشرية، فمنذ بداية الأزمة السورية حرصت الحكومة الإيرانية كل الحرص على الوقوف إلى جانب سورية حكومة وشعباً، وقدمت كل أشكال الدعم لها، فأرسلت المساعدات الغذائية والدوائية إلى الشعب السوري، وساعدتها في المجالات الاستشارية والتقنية، وشاركت في محاربة تنظيم “داعش” وهزيمته من المناطق التي تسلل إليها بدعم غربي- خليجي- تركي من خلال إرسال المستشارين الإيرانيين للتواجد في الخندق نفسه جنباً إلى جنب مع جنود الجيش العربي السوري، وعليه فإن إيران وكل الحلفاء الذين دعموا سورية ووقفوا إلى جانبها هم شركاء في النصر، ويحق لهم الافتخار والاحتفال به، فسورية تعرف من هم أصدقاؤها، ومن هم الأعداء، وبالتأكيد إيران هي أوفى الأصدقاء، وهي محط احترام وتقدير الدولة السورية حكومة وشعباً، مع الأخذ بعين الاعتبار ميزة البراغماتية في سياسات البلدين وقدرتهما على صياغة علاقات جديدة مع الغرب أو غيره، مع الحفاظ على علاقاتهما القوية، وهذا ما يظهر جلياً على صعيد السياسة السورية في الانفتاح الأوروبي المتزايد نحوها، بالتزامن مع استمرار لقاءات ومؤشرات التنسيق والتعاون الإقليمية الهادفة إلى تعزيز جبهة المقاومة على قاعدة عدم تقديم أية تنازلات أمام الضغوط الأمريكية والأوروبية، والتهديدات الإسرائيلية.
لقد كانت الثورة الإسلامية في إيران التي قامت في 4 أيلول من عام 1978، وانتصرت عام 1979، ثورة شعبية سلمية حقيقية ضد نظام الشاه محمد رضا الموالي للولايات المتحدة الأمريكية، فكانت ثورة ضد الظلم والطغيان، حملت معها الآمال، وأدت إلى ظهور عناصر جديدة لم تكن في الحسبان، وكانت مسيرتها حافلة بالإنجازات والنجاحات على مختلف الصعد الداخلية والخارجية حققتها إيران على مدى أربعين عاماً من انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية فيها، لتكمل البلاد طريقها نحو التقدم والتطور في مختلف المجالات بعزيمة وثبات شعبها ودعمه في مواجهة المؤامرات والسياسات المعادية.. إيران باتت اليوم الرقم الصعب في المعادلات الإقليمية والدولية، ورمزاً لمسيرة التطور ومواكبة العصر، دون التخلي عن مبادىء الصمود والتحدي في مواجهة الأعداء.