النص المفتوح والنص المغلق ومغامرة التأويل
يعد مفهوم “النص المفتوح والنص المغلق “الذي أشاعه الفيلسوف والروائي الإيطالي “أمبرتو إيكو” في كتابه “الأثر المفتوح ” الصادر عام 1962 أثرا من ثقافة النقد الغربي ونتاج مابعد الحداثة المتمثلة ب(جاك دريدا،ولاكان،ورولان بارت،وميشيل فوكو،وآخرين)،وشكلا من أشكال الكتابة الجديدة التي وفدت إلينا مع شعراء مرحلة الستينيات الذين أخذت نصوصهم تنفتح على كل الاحتمالات وتميل نحو العدمية في مزجها بين الفكاهة واللوعة،والواقعي والسحري،والمعنى واللا معنى…الخ
وقد عرّف النص المفتوح بأنه الذي يحتمل تفسيرات عدة للقراء، عكس النص المغلق الذي يوجه القارئ إلى تفسير واحد. هذا المفهوم كان موضوع دراسة للباحث محمد راتب الحلاق ألقاها مؤخرا في فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب تحت عنوان “النصوص المفتوحة والنصوص المغلقة- انضباط التفسير ومغامرة التأويل” اجتهد في إيضاح دلالات كلا النصين مكتفيا بسرد معرفي،وتناص خال من الشواهد الأثرية لنصوص عربية رائدة في هذه الفنون الإبداعية. مستفيضا بسرد عموميات توضيحية احتلت جل الدراسة. فقد ركز في بحثه، ضمن استعراض إنشائي لغوي، على التفريق بين النصوص الإبداعية والنصوص الأخرى،لان الناس برأيه،لايميز بعضهم بين خاطرة،أو قصيدة،أو شطحة من شطحات الصوفية، وبين نص علمي أو قانوني عن جهل حينا، وللتضليل والتدليس أحيانا أخرى ولذلك هو يعرفنا بأن النصوص الإبداعية تتصف بالغنى والثراء وتلوح بحشد من المعاني الممكنة فهي حمالة أوجه، وأي معنى يعطيه القارئ لمثل هذه النصوص يمثل المغزى الشخصي الذي حصله،أي المعنى الذي انحاز إليه ورجحه وتبناه من بين معان ممكنة عديدة بناء على معرفته وخبرته والأيديولوجيا التي يؤمن بها،وأما النصوص غير الإبداعية فإنها تتصف بالدقة والانضباط الدلالي وفق معادلة الدال والمدلول،كالكتب اللغوية المعتمدة التي تتخذ كإطار مرجعي يتم الاحتكام إليها عند الحاجة والنصوص القانونية غير القابلة للتأويل يفهم منه القراء معنى واحدا، أما النصوص الإبداعية فتصح عليها مقولة المعنى في قلب الشاعر، حيث يكون لكل متلق قراءته الخاصة شرط أن تكون قراءة مبررة وممكنة لغويا ومعرفيا وليست من باب التنطع والادعاء المجاني غير المستند إلى أدلة معرفية أو لغوية أو تاريخية ذلك أن اللغة في النصوص الإبداعية ليست مجرد أداة حيادية تحمل المعنى دون أن تلفت الانتباه،وإنما هي جزء أساسي من النص، ومن العبث التعامل مع هذه النصوص وفق مسطرة المعجم وحسب بل لابد من الانتباه إلى الانزياحات التي قام بها منتج النص في غايات جمالية لقصد جذب المتعة له أولا وللقارئ بعد ذلك.
والنصوص الإبداعية ليست صمية وليست مسطرة للحقائق العلمية ولا تشكل وثيقة معرفية أو قانونية،وقد تكون قرينة للوثيقة، وليتأكد الدافع من المعلومات الواردة فيها علينا الإلمام بدراسة تاريخية تعتمد على السند والحجة ومقارنة روايات تاريخية ببعضها.والنصوص القانونية والعلمية ليست شعرا يحتمل التأويل وتعدد القراءات حسب الرغبة والهوى والقدرة على الفهم والاجتهاد في فهم هذه النصوص وتفسيرها والتفسير غير التأويل.
ثم ينتقل الباحث للحديث عن ضرورة ارتقاء النقد الأدبي إلى مستوى الفكر الناقد الذي يتقاطع مع الفلسفة ولن يصل إلى ذلك طالما يقرأ القراءة ذاتها، وهنا يميز بين عدة قراءات نقدية منها القراءة المستفهمة المطمئنة على ثبوت المفهوم وحقيقته المطلقة مما يجعل القراءة تتحول إلى تلاوة. وهناك القراءة الكسولة التي لا تدخل في حوار مع أرضية النص وفضائه بسبب تواضع القارئ معرفيا أمام شهرة منتج النص أو بسبب الانتماء الأيديولوجي. وهناك القراءة المركبة التي تتميز بأنها ترفع القارئ إلى مرتبة الندية مع منتج النص فيحاوره ويساجله، وهذه القراءة مسلحة بالأدوات المعرفية والفنية الضرورية لاختراق النص وتفكيكه، وقد تصل بعض القراءات المركبة إلى الاستبداد في التعامل مع النص فتحمله فوق مايحتمل وتقوله ما لا يستطيع أن يقول.لكنها قد تكون محمودة أحيانا حين تسعى إلى كشف زيف بعض النصوص وكشف عملية النصب الفني الذي تمارسه جوقة المريدين من نقاد حين يسوقون نصوصا أقل مايقال فيها إنها تقوم بعملية تدليس باسم الحداثة ومابعد الحداثة.
آصف إبراهيم