إنسانيتنا التي نسيناها
سلوى عباس
وضع القدر في طريقي أشخاصاً قلوبهم نابضة بالحياة يعشقون كل لحظة فيها، أخذوني في مسارب الحياة فرحت أتلمس روحي وأبحث عن لحظات سعادتي أين أجدها، فرأيت أنني أمتلك الكثير منها دون انتباه مني، فعندما أكون في حالة حزن أبدو أشبه بنواة متخشبة ما إن ترعشها بلّة من ماء الروح حتى ينبعث من قلبي برعماً مخضوضراً بالحياة وهذه الحالة تحمل شيئاً من السعادة.
وعندما أستسلم للإحباط والكآبة وأحسب أن ألوان الحياة قد خبت واصفر بنفسجها وكلح ازرقاقها البهي، وغدت أقواس القزح فيها ذكريات من ماض ونسيان. ثم تأتي روح حانية وتزيل غبار القلب وبرودته، فإنني أصبح وردة تفتحت من ندى يدٍ نورانيةٍ، هي قمة السعادة، كذلك عندما يلفني سواد هذا الزمن الموحش وأرى وسط الظلام شعاعاً من ضوء، أليس هذا الإحساس روح السعادة. وعندما يسجننا القبح داخل أسواره فنتجاوزها وننتج الجمال أليست هذه سعادة. والسعادة الأجمل أن تجمعك الحياة بأشخاص يختصرون معك الزمن فيبدو الأمر وكأنك تعرفهم منذ دهر، ينشغلون عليك إذا غبت فترة عنهم، ويطمئنون عليك إذا قرؤوا في عينيك بعض الحزن أو الألم، ليصبحوا أصدقاء حقيقيين تخاف على مشاعرهم وتتعاطف معهم وكأنك تعرفهم منذ زمن طويل.
السعادة هي هذا الشعور بالرضا والسكينة الذي ينبع من داخل الإنسان، ونظرة الناس للسعادة تختلف باختلاف طباعهم واهتماماتهم، فليبحث كل منا عن سعادته وليحملها تعويذة تحمي أرواحنا من وحشة العمر فالحياة تسير بسرعة ولا تنتظر أحداً، فأين نحن في زحمة الحياة من أنفسنا، ومن أرواحنا التي تحتاج فسحة من الراحة لتحافظ على حيويتها وتجددها لتستطيع متابعة المشوار، ربما هذا الإحساس لا نعيشه إلا عندما يأتي من يقدم لنا فرصة نسرق عبرها من الزمن لحظات نعيشها بعيداً عن مشاغل العمل وتراكمات الحياة، لحظات نشعر فيها بإنسانيتنا التي نسيناها في زحمة انشغالاتنا.
مرة قالت صديقتي لي: أنت هديتي من الحياة.. والحقيقة لا أعرف كيف اتسعت هذه العبارة لكل ما أحسست، وكيف نشرت في مسامي عبيرها، فمن في هذه الأيام العجاف يرى أن الآخر- أياً كانت صفة هذا الآخر- يمثل له صدى الروح؟! ولا أخفيكم، هذه العبارة غيّرت ملامحي وأنبتت فيّ حب الحياة، وتوقفت أمامها كثيراً، فعطايا الحياة وهداياها كثيرة، أهدتنا أباً وأماً وأخوة، جمعتنا في أسرة واحدة تنبض بالحياة المشتركة، كذلك أهدتنا أقارب وأصدقاء وجيران وزملاء كل واحد منهم يشكل إضافة لنا، ويغني حياتنا، وهنا يحضر السؤال: كيف تعاملنا مع هذه العطايا والهدايا، هل حافظنا عليها وتفهّمنا حضورها معنا، أم كنا أسرى أنانيتنا وفكرنا بأنفسنا فقط، متجاهلين كل من حولنا.
أقول لكم جميعاً وبكثير من الودّ تمسكوا بأحبتكم جيداً وعبّروا لهم عن حبكم، فقد ترحلون أو يرحلون يوماً ولهم في قلبكم مشاعر وأشواق، واحذروا أن تتركوا جروحكم تلتئم على ألمها، بل نظفوها لتكون مرآة صادقة عن قلوبكم، فغداً قد نكون جميعنا ذكرى، فابتسموا وسامحوا من أساء إليكم، واعلموا أن بعض البشر خلقوا ليكونوا هدايا في الحياة، فانظروا حولكم واعثروا على هداياكم وقدروها كما ينبغي قبل أن تغيب في خزائن الزمن. ولكل الذين أحبهم أقول: ليس أجمل من أن تَهب الحياة للإنسان ياسمينة يسند إليها روحه، وأنا الياسمين معرش على شرفات قلبي وروحي خمائل محبة ووداد.