تحقيقاتصحيفة البعث

بحاجة إلى تضافر الجهود الإعاقـــات الحركيـــــــــة.. العلاج الاجتماعي أولوية والإرشاد الأسري يساعد في تدعيم الاعتماد على الذات 

ازدادت نسبة المعوقين حركياً في مجتمعنا بعد حوادث الإرهاب والتفجيرات التي جرت خلال السنوات السابقة، لكن هذه النسبة مازالت تزداد في المناطق التي زرعها الإرهاب بالمتفجرات، والتي تتسبب بمقتل وإعاقة العديد من الأشخاص يومياً، ومنهم العاملون في قطاع الشرطة، والجيش، والإسعاف، وغيرها من القطاعات، وبتنا نرى في كل مكان جزءاً من هذه الحالات التي تحتاج إلى توعية اجتماعية للتعامل معها وتقبّلها، وخاصة بالنسبة للأطفال وطلاب المدارس، وهنا لابد من التمييز بين مصابي الإعاقة الحركية، خاصة أن منبعها مختلف، فمن الممكن أن تكون الإعاقة خلقية كالشلل الدماغي، أو ناتجة عن أمراض وإصابات بعد الولادة، ويمكن أن تكون بسيطة قابلة للعلاج، بينما بعضها الآخر شديد الصعوبة كضمور العضلات، والصرع، وشلل الأطفال، وتصلب الأنسجة العصبية، وغيرها، لذلك فهي تصنف بفئات تبدأ عند المصابين باضطرابات تكوينية، أي من توقفت أطرافهم عن النمو، ثم عند المصابين بشلل الأطفال، وترتبط إعاقتهم بخلل الجهاز العصبي، أما المصابون بالشلل الدماغي فيرتبط ذلك بخلل يصل إلى بعض مناطق المخ، ويُصنف المعوقون حركياً بمن تعرّضوا لحوادث، وحروب، وكوارث طبيعية، وإصابات عمل.

حالات طفيفة

يعتبر تحديد الأفراد المعوقين حركياً أسهل بكثير من بعض الإعاقات الأخرى، وهناك بعض الأفراد الذين توجد لديهم مشكلات حركية من الدرجة المعتدلة، والتي يمكن نسيانها أو التقليل من أهميتها، يؤكد دكتور الأعصاب محمد سعيد أن هذه الحالات يمكن إجراء التحديد الصحيح لها باستخدام قوائم التشخيص أو الفحص المخصصة لمظاهر الحركة والسلوك، ويدخل ضمن هؤلاء الأفراد من يملك ضبطاً وتنسيقاً حركياً ضعيفاً كالذين يمشون بصعوبة أو بشكل أعوج، ومن يظهرون إشارات أو علامات على الألم خلال التمارين الرياضية، إضافة إلى من يقعون أو يسقطون بشكل متكرر على الأرض، أي “عدم التوازن”.

أعراض مختلفة

تظهر على المعوقين حركياً جوانب عديدة من العجز، والاضطراب في نمو عضلات الجسد في اليدين، والأصابع، والقدمين، والعمود الفقري، ويضيف سعيد: هذه الصعوبات تتصف بعدم التوازن في الجلوس والوقوف، وعدم مرونة العضلات الناتجة من اضطرابات في الجهاز العصبي المركزي، أو الروماتيزم، والكسور، وغيرها، ومن مشاكلهم الجسمية أيضاً هشاشة العظام، والتواءاتها، وانخفاض معدل الوزن، ومشاكل في الحجم، وشكل العظام “القزامة”، ومشاكل في عضلات الجسم كالوهن العضلي، وعدم وجود توتر مناسب في العضلات وارتخائها، والتي ينتج منها عدم التناسق في الحركات مثل استعمال القلم عند الكتابة، واستعمال اللسان عند الشرب والمضغ، إضافة إلى عدم قدرتهم على حمل الأجسام المختلفة مقارنة بغيرهم، وقد تترافق هذه المشاكل الجسمية مع اضطرابات في حاستي السمع والبصر.

وسائل تعويضية

معظم هؤلاء الأفراد بحاجة إلى وسائل تعويضية لكي يتمكنوا من القيام بالنشاطات التي تتعلق بحياتهم اليومية كتناول الطعام والشراب، وارتداء الملابس، والمحافظة على سلامتهم العامة، المعالج الفيزيائي مصطفى العمر بيّن أن معظمهم يعتمدون على أطراف اصطناعية، وعكاكيز، وغيرها ليستطيعوا الحركة والتنقل والقيام بما هو مطلوب منهم، كما أنهم بحاجة إلى اختصاصيين في مجال العظام والعضلات، واختصاصيين في مشاكل النطق والإبصار من أجل تشخيص مشكلاتهم وتقويمها، ووضع الخطط العلاجية المناسبة لهم بحسب نوع وشدة الإعاقة الموجودة لديهم، وذلك للاستفادة إلى أكبر حد ممكن من طاقاتهم الجسمية، ومعالجة الأمراض الناتجة عنها كالسكري، والسحايا، واضطرابات الغدد، ونزف الدم، وغيرها من أمراض، ومعالجة الاضطرابات العصبية المسؤولة عن حدوثها أيضاً، إضافة إلى حاجتهم لأساليب تدريس خاصة بهم، وإلى خبراء في مجال التأهيل المهني لتحديد الإعاقة، واختيار المهنة المناسبة لهم.

إن عدم الاهتمام بالإعاقة الحركية يسبب القصور الجسمي الحركي لدى المصابين، وإهمال هذه الحالات وعدم علاجها يخلق لديهم ولدى أفراد أسرهم ومدربيهم مشكلات عديدة تربوية، واجتماعية، ونفسية، واقتصادية، ما يزيد من صعوبات عيشهم بطريقة جيدة، وبحسب العمر هم يحتاجون إلى جهود على مستوى المجتمع لتقديم المساعدة المتخصصة في هذا المجال، وتأهيلهم جسمياً بالقدر الممكن للتخفيف من حدة إعاقتهم، بالإضافة إلى تقديم العلاج المجاني، والإرشاد الأسري لهم باعتبارهم طاقة لا يجب إغفالها، الأمر الذي يساعد على استقلاليتهم، ويخفض من شعورهم بالعجز والقصور الجسمي الذي يؤدي إلى مشكلات نفسية.

 

مضاعفات قاسية

معظم الأشخاص المصابين بإعاقة حركية يتصفون بالخجل، والانطواء، والعزلة، والاكتئاب، والحزن، وعدم الرضى عن الذات وعن الآخرين، والشعور بالذنب، والعجز، والقصور، والاختلاف عن الآخرين، وعدم اللياقة والانتباه، والتشتت، والقهرية، والاعتمادية، والخوف، والقلق، وغيرها من الاضطرابات النفسية العصبية، يقول طبيب الأمراض النفسية دانيال الخوري: يتصف المعوقون حركياً بعدم القدرة على حل المشكلات وضبط الذات، ومشاكل في الاتصال مع الآخرين، والشعور بالحرمان، لهذا فإن جميع هذه الخصائص وغيرها يجب النظر إليها عند تصميم البرامج التربوية والتعليمية الخاصة بهم، وخلال رسم طرق التعامل  مع مشكلاتهم وتأهيلهم لأنهم بحاجة إلى الإرشاد الوقائي والعلاجي للتعامل مع مراحلهم العمرية المختلفة، ودرجة الاضطراب النفسي ونوعه، كما يجب توفير أجواء نفسية مريحة دائماً لهم في مجال الأسرة والعمل، وذلك عبر التشجيع والدعم الأسري المعنوي والمادي ليستطيعوا احترام ذاتهم، وليبتعدوا عن التوتر،  والقلق، والدخول في الصراعات الأسرية، والمعاناة منها.

جوانب أخرى

مشكلات عديدة يعيشها المعوق حركياً في يومه، منها الاستحمام، والوقوف، والأكل والشرب، ومشكلات مع الأقران والإخوة، والشعور بالحرمان الاجتماعي بسبب عدم مشاركته الفاعلة في النشاطات الاجتماعية، ما يؤدي  إلى الانطواء الاجتماعي، وقلة التفاعل مع الناس، والخجل، والعزلة، والانسحاب، والأفكار الهادمة للذات، والاعتماد على الآخرين، كما يعاني المعوقون من نظرة المجتمع الدونية نحو قصورهم الجسمي، وعدم اللياقة، وحركات أو لزمات حركية غير مناسبة تجلب استهزاء الآخرين لهم، ويضيف الخوري: هذه المشكلات هي جزء صغير من مجموعة مشاكلهم الاجتماعية التي تحتاج إلى تدريبهم على عادات النظافة، والمحافظة على صحتهم العامة، وضبط الأمعاء، والابتعاد عن مشكلات سوء التغذية وفقدان الشهية، أو الإفراط في تناول الأطعمة التي تسبب لهم البدانة، والتي تشكّل عبئاً على أجسامهم، خاصة أولئك الذين لديهم عجز في مدى تحمّل العظام لحمل الأجسام الثقيلة، لذلك فإن العلاج الاجتماعي يتجلى في قبول الأفراد لأنفسهم، وتقبّل المجتمع لهم، واندماجهم به، وتعليمهم السلوك الاجتماعي المقبول في مجال البيت والمجتمع، إضافة إلى جهود اجتماعية مكثفة لمعالجة مشاكلهم الأسرية، ومشكلاتهم الخاصة كالعدوان، وإيذاء الذات.

ميادة حسن