تبقى الوحدة العربية حلم الأمة وقدرها
رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
للوحدة العربية بين سورية ومصر جذور تاريخية قديمة تمتد، وتتصل، بعهد القائد البطل صلاح الدين الأيوبي، حين طرح أول فكرة لهذه الوحدة الحلم عام 1190 ميلادي، فالبلدان تربطهما قومية واحدة وآمال وآلام وتاريخ وتقاليد وعادات تترسخ عبر الأجيال، ومصير هذه الأجيال دفعت بشعبي البلدين وقادتها إلى إجراء التنسيق لربط ماضي هذين البلدية بحاضرهما.
فكانت أول وحدة عربية تنشأ في العصر الحديث بين سورية ومصر، حيث أُعلنت الوحدة رسمياً من قصر الضيافة بدمشق بتاريخ 22/2/1958.
كيف تمت هذه الوحدة
وما هي دوافعها؟
في أواخر عام 1956 وعلى أثر حرب السويس والعدوان الثلاثي على مصر.. كانت الجماهير العربية تتطلع إلى إنقاذ هذا الوضع فالتفت حول القائد جمال عبد الناصر، ونادت به مخلّصاً للأمة العربية، وقد أسهمت هذه الجماهير التي كانت تردد اسم الرئيس عبد الناصر في جميع أنحاء البلاد العربية في تبرير قيام الوحدة.
وفي إذكاء الحس الوطني، كتب الشاعر المرحوم سليمان العيسى قصيدة مطلعها:
من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر… لبيَّك عبد الناصر… وقد تجاوبت الجماهير العربية، مع التطلعات التي جسدتها بطولات شعب مصر، والتي أحبطت العدوان الثلاثي “الإنكليزي– الفرنسي- الإسرائيلي”، حيث أصبح عبد الناصر قائداً قومياً للجماهير العربية، ولاسيما بعد أن قام بتأميم قناة السويس.
وقد شهدت هذه الحقبة الزمنية اندفاعاً بطولياً قومياً بين سورية ومصر حين أقدم أحد ضباط البحرية السورية البطل جول جمال على تدمير الغواصة الفرنسية “جان دراك”، وكذلك قامت سورية بتعطيل تدفق البترول في خطوط التابلاين التي تمر في الأراضي السورية.
في تلك الأثناء، وفي ظل الظروف الدولية المعقدة والانتصارات الوطنية، كنا ونحن صغاراً نستمع إلى الإذاعات العربية ونقرأ الصحف وكلها تُحفِّز الجماهير العربية في سورية ومصر وتدفعها باتجاه الوحدة.
في أواخر 1957 التهبت الجماهير أكثر، وبدأ الحماس يأخذ ذروته، ولاسيما بعد انسحاب الإسرائيليين من قناة السويس. وبعد أن اتضحت أهداف المشاريع الأمريكية في المنطقة الذي ولدّ ضغطاً جماهيرياً على الحكومة السورية التي أوفدت ضباطاً متحمسين للوحدة إلى مصر ليقابلوا عبد الناصر وليسلموه مذكرة حول عزمهم إقامة الوحدة بين مصر وسورية وبشكل فوري بسبب الظروف التي تعيشها المنطقة. وحين اتضح لعبد الناصر أن رغبة هؤلاء الضباط السوريين تتمثل بإقامة وحدة بين مصر وسورية استقبلهم، وقد استغرب لما في الأمر من استعجال وعاطفة نبيلة، وإنهم متحمسون لهذه العاطفة القومية والوطنية.
وقد قال لهم الرئيس جمال عبد الناصر بعد أن استقبلهم: “إن الوحدة هي حلم العرب وحلم الأجيال كافة، ولكن الاستعمار والرجعية، والتآمر على الوحدة سيكون كبيراً ويجعلها في خطر، ولكيلا نقع في مطبات علينا أن نجعل الخطوة الوحدوية الأولى على شكل اتحاد أولاً”.
في هذا الوقت كان رئيس الأركان السوري قد ذهب إلى رئيس الجمهورية السوري وقتها شكري القوتلي ورئيس الوزراء صبري العسلي، وأطلعهم على المذكرة التي اصطحبها معهم الضباط السوريون إلى القاهرة، وكان لحزب البعث آنذاك دور كبير في الحكم، عندئذٍ كلفت الحكومة السيد صلاح الدين البيطار باللحاق بالضباط إلى مصر.
وهناك استقبله الرئيس عبد الناصر، وقال له: إن هؤلاء الضباط متحمسون للوحدة، وعلينا أن نفكر كثيراً قبل الإعلان عن قيام الوحدة..
ومع إصرار السوريين واندفاعهم للوحدة، بدأت مفاوضات هذه الوحدة وكانت الخطوة الأولى بتوحيد الجيش، والاتجاه السياسي، ومن ثم الاتفاق على معالجة باقي المشاريع الوحدوية، وترك أمر صياغة الإجراءات للإداريين. وفعلاً وافق الرئيس جمال عبد الناصر على المشروع الوحدوي، وقد عُقد اجتماع في القاهرة، بعد أن ذهبت الوزارة السورية بكامل أفرادها وكذلك البرلمان السوري بكافة أعضائه إلى مصر.
وهناك استمرت الاجتماعات المطولة بين الجانبين السوري والمصري، بدأت في أواخر كانون الثاني عام 1958 عبر نقاشات وحوارات ومراجعات انتهت بصياغة المراسيم والتشريعات والقوانين الناظمة حتى20/2/1958، حيث قرروا في هذا التاريخ أن تُعلن الوحدة.
لكن الرئيس عبد الناصر آثر على نفسه أن يُعلنها من دمشق، فجاء إلى سورية مع جميع الوفود، واستُقبل استقبالاً عظيماً من قبل الشعب العربي السوري الذي جاء من جميع المحافظات، حيث استمعوا إلى خطاب تاريخي من قصر الضيافة بدمشق وكان عبد الناصر، وبرفقته الرئيس شكري القوتلي معلناً قيام الوحدة العربية بين سورية ومصر يوم 22/2/1958، وكانت أول وحدة عربية في العصر الحديث.. واعتبر هذا التاريخ عيداً رمزياً للوحدة.