الأبعاد والدلالات الاقتصادية – الاجتماعية لـ” الإدارة المحلية” من خلال توجيهات سيد الوطن لممثلي مجالسها.. المجالس المحلية حكومات اقتصادية مصغرة تستحوذ على موازنة كبيرة.. وفي هذا فشلها أو نجاحها!؟
تأكيد سيد الوطن الرئيس بشار الأسد، خلال لقائه رؤساء المجالس المحلية من جميع المحافظات، أن صدور القانون 107 كان خطوة مهمة في زيادة فعالية الإدارات المحلية، وأن إجراء انتخابات المجالس المحلية أثبت ويثبت فشل رهان الأعداء على تحويل الدولة السورية إلى دولة فاشلة غير قادرة على القيام بمهامها… تأكيد له من الأبعاد والدلالات الاقتصادية – الاجتماعية ما يقتضي تسليط الضوء على العمل المحلي، بوصفه أس الحراك الاقتصادي والمجتمعي، وعليه فبقدر ما يكون المؤتمنون على هذا العمل أكفياء وحكماء في تحمل المسؤولية وتنفيذ المهام، بقدر ما نستطيع مواجهة التحديات المتربصة بالدولة داخلياً وخارجياً، وبالتالي تحقيق الإنجازات التي يحتاجها الوطن والمواطن.
ولعل تنبيه سيادته إلى أننا – وبعد تحسن الوضع الميداني- أمام فرصة لنقلة نوعية في عمل الإدارة المحلية ستنعكس على جميع مناحي الحياة، هو نوع من فتح الباب على مصراعيه أمام الاجتهاد في العمل المحلي، وما يدلل على ذلك إشارته المباشرة إلى أن الوحدات المحلية أصبحت الآن أكثر قدرة على تأدية مهامها دون الاعتماد على السلطة المركزية، قدرة ترجمها سيادته من خلال لفت الانتباه إلى أن إطلاق المشاريع التنموية بشكل محلي سيتكامل مع المشاريع الاستراتيجية للدولة، وهذا بحد ذاته استثمار للموارد المالية والبشرية، خاصة أنه نوه بوضوح إلى أن أحد الجوانب الإيجابية لقانون الإدارة المحلية هو توسيع المشاركة في تنمية المجتمع المحلي الذي يقوم بإدارة الموارد.
إذاً نحن (وخاصة المنتخبين للعمل المحلي) أمام فرصة واختبار لا يقبلان احتمال الفشل، ولاسيما بعد هذه التوجيهات الواضحة وإعطاء الضوء الأخضر للبدء بالجديد والمبدع غير التقليدي، في صياغة مستقبل البناء والإعمار لبلدنا، أساسه الإنسان السوري، ومدى مقدرته على إحداث التحولات الكبرى التي فتح لها سيد الوطن كل دروب التمكين والنجاح، ومنها إفساح المجال للمشاركة الواسعة للمجتمعات المحلية.
إمكانية التعديل مجدداً
في هذا الإطار، وبحسب بعض المعلومات غير المؤكدة حول إمكانية إجراء تعديلات جديدة على القانون الحالي خلال الستة أشهر المقبلة لناحية الشأن الاقتصادي والتخطيطي، كان لـ”البعث” وقفة تحليلية للطرح الذي قدمه سيادة الرئيس حول البعد الجديد في عمل المجالس المحلية، مع الخبير الإداري والاقتصادي سامر حلاق، الذي اعتبر أن الإدارة المحلية هي بمثابة حكومة اقتصادية مصغرة، مُبيناً معنى قانون الإدارة المحلية من حيث إنه قانون فيه محددات ونواة شأنه بذلك شأن القوانين بشكل عام، لكن ما يميز هذا القانون عن غيره هو أنه أعطى القاعدة القانونية حداً أدنى وحداً أعلى من حيث التطبيق الإداري، أي إن الإدارة يمكن لها أن تنتقل من القانون بصفته الجامدة إلى القرار الإداري الرشيد والحكيم، فعلى سبيل المثال إذا كان القانون يسمح للمجالس المحلية بتأمين فرص عمل جديدة باستمرار، ولم تقم المجالس المذكورة بذلك، فإنها لا تسقط قانونياً، لكنها تسقط من وجهة نظر الإدارة الحكيمة الرشيدة ذات البعد الوطني.
وهذا برأي حلاق، أهم أثر كاشف للمجالس، وفق نظرية العكس التي تقول: أي مجلس لم يقم بتأمين فرص عمل واستثمار وقيم مضافة للمجتمع المحلي، هو مجلس فاشل وفق الإدارة الحكيمة والرشيدة؛ ما يجعل ذلك أسباباً موجبة لإسقاطه بداعي الضعف وعدم القدرة واللامبالاة والإهمال، لأن الأصل بالإدارة العامة هو الإنجاز الاقتصادي- الاجتماعي التطويري.
وأوضح الخبير أن المجتمعات والشعوب، تنجح حين تعتبر أن الإدارة الرشيدة والحكيمة هي الإدارة التي يجب أن تكون في مفاصل القرار كخبرة وعلم؛ لأن الإنجازات الاقتصادية – الاجتماعية، لا تأتي من خلال إدارة روتينية شكلية، تصل لموضع القرار من خلال الصدف أو العمر أو الترفيع الروتيني الدوري، مؤكداً أن هذه الإنجازات تظهر كثيراً لدى المقارنة بين نمطين؛ أحدهما تقليدي روتيني، والآخر يعتمد الخبرة والحكمة الإدارية في قيادة المؤسسات.
من هذا المنظور يمكن إسقاط الفكرة على نموذج الإدارة المحلية، حيث يمكن لأحد المجالس المحلية مثلاً، تقديم نموذج ناجح للإدارة يعتمد على قدرات وخبرات أعضائه التراكمية الناجحة في مجالات شتى قد تكون بعيدة عن الإدارة المحلية، بينما نجد فشلاً في مجلس محلي آخر يعتمد أعضاؤه على خبرات روتينية تقليدية لا تناسب الإدارة المحلية فيكون الفشل ظاهراً.
ميزان الميزانية
الخبير شدد على أن الإدارة المحلية هي حكومة مصغرة اقتصادية، وحين تنجح فإن هذا النجاح ينعكس إيجاباً على النسيج الوطني وخصوصاً النسيج الاجتماعي – الاقتصادي، ففي حالة نجاحها ستوفر عبء الدعم لها من موارد الخزينة، بل أكثر من ذلك ستكون داعمة للخزينة بشكل أو بآخر، بينما الفشل سيرتب عبئاً عليها وعلى الخزينة..! وعليه فإن استفادة المجالس المحلية (بصفتها مرفقاً من مرافق اللامركزية الإدارية) من الخبرة الإدارية الرشيدة ضمن المجتمع المحلي والوطني، يجعلها قوة مؤسساتية تعمل وفق معيار المؤسسات الناجحة لاحقاً، من حيث اعتمادها على النتيجة الإنجازية كمخرج نهائي يحظى بالقبول المحلي والوطني. ومن هنا وجب على القائمين على المجلس المحلي أن يتابعوا النظريات والتجارب والإنجازات الإدارية الرشيدة التي تناسب خصوصية البيئة المحلية، بقصد تطبيقها للحصول على نتائج ممتازة، تمثل الهدف والغاية من وجود اللامركزية الإدارية، والإدارة المحلية عموماً.
صلاحيات وقوة واسعة
حلاق أكد أن أحد أهم أسباب قوة الإدارة المحلية (اللامركزية الإدارية) تكمن بأن المُشرِّع أعطاها صلاحيات واسعة أفقياً وعميقة عمودياً، لكي تستطيع النهوض بالأعمال المنوطة بها من جهة، وتخفيف العبء عن الإدارة المركزية (السلطة المركزية) من جهة ثانية، كاشفاً عن أن القانون الإداري يقول: “إن الرقابة التي تمارسها السلطة المركزية على أعمال الهيئات المحلية، ليست مطلقة، وإنما هي رقابة مقيدة ومحصورة في نطاق معين لا يصح أن تتجاوزه وإلاَّ كانت محلاً للطعن من قبل الهيئة اللامركزية”، وتبعاً لذلك فإن الهيئات المركزية لا تملك سلطة التوجيه أو إصدار الأوامر والتعليمات الملزمة للوحدات الإدارية المستقلة، في حين أنها حين تمارس سلطة التعقيب على أعمال هذه الوحدات، فإنها لا تملك في مواجهة هذه الأعمال إلاَّ باتباع أحد الأسلوبين الآتيين: فهي إما أن تصدق عليها جملة أو ترفضها جملة، ومفاد ذلك أنها لا تملك أن تلغي هذه الأعمال أو تسحبها أو تعدل آثارها كلها أو بعضها؛ وذلك لأن الوحدات الإدارية المحلية تستطيع التمسك بقراراتها رغم الاعتراض عليها من الهيئات المركزية، لا بل أكثرمن ذلك تستطيع أن تخاصم هذه القرارات أمام القضاء الإداري في حال مخالفتها لمبدأ الشرعية.
الجهل سبب فشلها..!
ويكشف الخبير من خلال خبرته وتجربته بالمجالس المحلية، أن سبب فشل كثير من أعضاء المجالس المحلية هو عدم معرفتهم بصلاحيات المجالس المحلية من جهة، وقوة قرار هذه المجالس من جهة ثانية..!
ويتابع قائلاً: إن جهل وترسيخ اللامبالاة المعرفية، هو سبب رئيسي لفشل كثير من المجالس، حيث إن البعد الاجتماعي – الاقتصادي للإدارة المحلية، يوجب على القائمين عليها ترسيخ الثقافة والمعرفة عنها، وليس من خلال محاضرات وندوات سطحية، بل من خلال إفهام الأعضاء المنتخبين للإدارة المحلية، أن القرار الذي يتخذونه لا يمكن إلغاؤه أو إسقاطه إلاَّ من خلال القضاء الإداري، لكي يعرف العضو مدى قوة قراره المُتخذ، وعدم الاكتفاء بشروحات سطحية..!
بحاجة إلى..؟
إن نجاح المجالس المحلية بحاجة إلى أعضاء أقوياء ومتبصرين يعتمدون على الخبرات التراكمية الناجحة في حياتهم التي تسبق وصولهم لعضوية المجالس؛ لأن المجالس ليست حقل تجارب لهم، إضافة لمعرفتهم الدقيقة والتفصيلية عن أهداف وقوة الإدارة المحلية، وذلك لأن الإدارة المحلية تستحوذ على موازنة كبيرة، وعلى جغرافية كاملة، وعلى تعامل مباشر مع الساكنين في الرقعة المحلية، ما يوجب أن تكون محمية بالمعرفة الثاقبة والقدرة الإدارية، إذ إن النجاح بالإنجازات هو حليف القوة المعرفية والخبرة التراكمية الرشيدة الناجحة.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com