تقاعد مبكر أم تمديد؟!
من جديد يعود الخلاف بين مؤيدي قانون التقاعد المبكر ومؤيدي التمديد لخمس سنوات إضافية بعد سن التقاعد إلى ساحة الجدل والنقاش، سواء في المكاتب المسؤولة التي طرحت فكرة التمديد ضمن تعديلات قانون العاملين الأساسي أو عبر صفحات الفيسبوك واستبياناتها التي لا نشكك بمصداقيتها، إلا أنه من الصعب القبول بنتائجها والأخذ بها لصناعة أي قرار أو توجه دون التدقيق فيها وبحقيقة التصويت الذي غالباً ما يكون متوافقاً مع رغبات أصحاب الصفحات.
ولاشك أن الواقع الاقتصادي والمؤسساتي والعمالي يضغط بأعبائه المعيشية والمادية على صناعة القرار، وخاصة في هذه الفترة التي تتداخل فيها الكثير من القضايا سواء لناحية تداعيات الهجرة البشرية على العمل الوظيفي أو لجهة التسابق الحاصل للفوز بفرصة عمل بعد المراسيم الصادرة المتعلقة بالخدمة الاحتياطية والإلزامية، مع وجود أعداد كبيرة من الشباب الباحثين عن فرصة العمل، وطبعاً هذه الظروف مجتمعة تفرض عملاً استثنائياً في مرحلة تعتبر منعطفاً هاماً في حياة بلدنا، وتستدعي حسم الجدل وعدم الاكتفاء بطرح الاقتراحات دون دعمها بالأدلة الرقمية، فترك الأمور على حالها سيؤدي إلى المزيد من المشكلات وخاصة البطالة التي تشكل تحدياً أساسياً أمام الشباب الباحثين عن فرصة عمل، والتي يعتبرها أنصار التقاعد المبكر باباً واسعاً لمرور الكوادر الشابة إلى العمل الوظيفي بما يساهم بتوفير عدد كبير من فرص العمل، ويعمل على إدخال قوة عاملة شابة تمتاز بالحماس والإنتاجية الجيدة، وتخلق تنوعاً في أدوات العمل لصنع واقع جديد والانتقال إلى مرحلة إعادة الإعمار، وفي المقابل يراهن أنصار التمديد على عامل الخبرة الذي يشكل ثروة وطنية، وبالتالي نتائج التخلي عنه والاستغناء عن خدمات أصحابه سيكون كارثياً لجهة إفراغ المؤسسات من كوادرها الخبيرة، وخروج الكفاءات العاملة في القطاع العام والتي لا يمكن تعويضها حسب رأيهم.
وما يثير الاستغراب أن الجهات المعنية رغم مضي سنوات كثيرة على طرح هذا الموضوع، لم تضع يدها على الحل، وللعلم فإن قانون التقاعد المبكر طرح في عام 2005 دون أن يصل إلى نهاية، وبقي الملف مفتوحاً في الكواليس ليعود اليوم إلى الواجهة بشكل يثبت عدم وجود رؤية حقيقية للتغيير والمعالجة، فقراءة الأفكار بتأني وتفصيص مابين سطورها، يكشف أن هناك العديد من الأفكار القديمة التي طرحت مراراً وتكراراً دون أن تلقى أية استجابة على الطاولات المسؤولة التي عملت وتعمل على استبدال الحلول الحقيقية بحلول أخرى مرحلية لا تتناسب مع متطلبات الواقع الحالي الذي يحتاج إلى أفكار أكثر تركيزاً وقرباً من التنفيذ.
وبكل تأكيد حل هذا الملف ليس بالسهل أو البسيط، ولكن للأسف لم تتخذ أي خطوة أو إجراء باتجاه الحلول، ونطرح هنا أن يكون هناك جهة أو مؤسسة “مجلس خبرات وطنية” تستوعب الخبرات والكوادر المؤهلة التي اختارت التقاعد المبكر بحيث تتولى مهام التدريب للكوادر الجديدة في كافة الاختصاصات، هذا عدا عن دورها في تقديم الاستشارة المطلوبة، وبذلك تنتهي مشكلة آلاف المستشارين الذين تعج بهم الوزارات والمؤسسات وفق مبدأ “تنفيعة”، وتحقيق ذلك يتطلب معايير انتقاء دقيقة وعلمية تخرج من شرنقة المعارف والصداقات، وبذلك تحل أكثر من مشكلة وتغلق الكثير من الملفات المفتوحة دون أي سبب.
بشير فرزان