“الأخوان” وفلسطين
عبد الكريم النّاعم
منذ صدور وعد بلفور بإعطاء وطن للصهاينة في فلسطين، وقضيّةُ فلسطين هي القضيّة المركزيّة في الحراك السياسي الوطني المبدئي القومي، وذلك لأنّ هذا المشروع لم يكن في يوم من الأيام أنْ تُقام للصهاينة دولة في بقعة صغيرة من فلسطين فحسب، بل هو مشروع في جوهره يشكّل إسفيناً خطيراً بين مغرب هذا الوطن ومشرقه، وها هو تتالي الأحداث، وتراكمها، يؤكّد ذلك، ولا يغيّر من هذه الحقيقة أنّ ثمّة عواصم عربيّة تقيم علاقات في السرّ والعلن بعد قرابة سبعين عاماً من إنشاء هذه الثكنة العسكريّة المدجَّجة، والمدعومة، منذ البداية من دول الغرب المتصهين، وكلّ الحروب التي عرفتْها المنطقة كان وراءها هدف صهيوني، وسيظلّ ذلك حتى يتمكّن أهل البلاد، وأهل الحقّ، من لجم عربدة ذلك الكيان.
الذي يعنيني في هذا المقال هو دور جماعة “الأخوان المسلمين” من هذا الكيان، فهم وإنْ صدرت عنهم بعض البيانات المستنكِرة فإنّهم لم يشذّوا عن كونهم، في النهاية، أداة تسيّرها المصالح العميقة لتلك الجماعة، عبر مشبوهيّتها في النشأة، والحراك، متّخذة من مبادئ الدين، وشعاراته، ساتراً تتنقّل خلفه، وإلاّ ليعْطني أيّ واحد، أيّ موقف لهم كان صداميّا بحقّ مع المشاريع الغربيّة، منذ مشروع إيزنهاور حتى الآن.
ولعلّ هناك مَن يتوقّف عند أنّهم أرسلوا بعض الفصائل الفدائيّة في بداية الصدام مع القوّات الصهيونيّة، وهنا لابدّ من التنبّه إلى تلك الهبّة التي شملت الأمّة العربيّة، وحرّكت بعضا من الوجدان الإسلامي في العالم آنذاك، بمعنى أنّ تحرّكهم جاء في السّياق الذي لا يتعارض مع مستبطَنات ذلك التحرّك، فقد أثبتت الأحداث، وما تكشّف من وثائق، أنّ حكّام العرب، ولا سيّما في شبه الجزيرة العربيّة، وفي الأردن، كانوا يعلنون (الجهاد) ويُبطنون التعامل مع قادة الصهاينة، ولم تعد علاقة الملك عبد الله، الجدّ، ملك الأردن آنذاك، بقادة صهاينة، خافية، وكذلك علاقة السعوديّين، فكان تحرّك الأخوان جملة في ذلك السطر الملغوم، ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما جرى في مصر فترة حكم الأخوان في جمهوريّة مصر العربيّة.
لقد اعترف الجنرال بيني غانتز، والذي كان رئيسا لأركان جيش الصهاينة، بأنّ التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل أصبح أفضل بكثير في عهد جماعة الأخوان المسلمين، مؤكِّداً أنّ تصرّف الرئيس محمد مرسي شكّل مفاجأة لم يتوقّعها أحد في إسرائيل”، ويتابع فيقول: “التعاون الأمني والاستخباراتي مع القاهرة كان مفاجأة بالنسبة لي كقائد جيش”، ويؤكّد أنّ “أمن إسرائيل أصبح أفضل مؤخَّراً، ولم يعد هناك خطر كبير يأتي من قطاع غزّة، وذلك بفضل التعاون المصري”، ويشير إلى أنّ بعض ما حدث من تدخّل الرئيس المصري (حينها) كان عبارة عن “صفقة لصالح أمن إسرائيل”، وبيّن “أنّ الصفقة تمّت بعد تدخّل المرشد العام لجماعة الأخوان لوقف صواريخ المقاومة من غزّة، مؤكّداً بأنّه مادام (المرشد) يحكم مصر فلن تسقط صواريخ على إسرائيل مستقبلا”.
وزير الحرب الصهيوني آنذاك عامير بيرتس قال بعد عمليّة “عمود السحاب”: “إنّ مرسي أفضل لإسرائيل من مبارك”..
الموضوع يحتمل الكثير من الإفاضة، والمجال ضيّق، وثمّة هدف أساس وهو عدم الانخداع بالشعارات الدينيّة، بل التعويل كلّ التعويل على الموقف من قضيّة فلسطين، القضيّة الأولى المحرِّكة في مجريات الأحداث العربيّة، قديما وحديثا، وها نحن أمام أحد مبتكرات الشيطان المتستّر بادّعاءاته، وما سأورده يسند نفسه إلى الأسس ذاتها، اللّعب بورقة الشعارات المذهبيّة التي يُراد لها أن تحلّ محلّ جوهر الدين الإسلامي، وهي أن قتال إيران أهمّ من قتال إسرائيل! وهم بذلك يستبدلون موقع المعركة، ويخلقون عدوّا ليس بعدوّ، بل هو من أهمّ المنافحين عن القضيّة الفلسطينيّة، والمواقع التي رفعت تلك اليافطة الشيطانية هي بعض نسل تلك الحركة الخطيرة المدمِّرة.
إنّ الموقف من تحرير فلسطين من البحر إلى النّهر هو الكاشف الوحيد، فهل يضيع بعد ذلك مَن كان فيه ذرة من الانتماء لهذه الأرض؟!!
aaalnaem@gmail.com