أخبارصحيفة البعث

من “معاداة السامية” إلى “معاداة الصهيونية”

 

ما سرّ التزامن بين ما قام به رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو من صناعة أزمة مع بولندا بدعوى “معاداة السامية”، وخروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعريف جديد لمعاداة السامية يشمل أيضاً “معاداة الصهيونية”؟.
يلاحظ المراقب لتحرّك الرئيس الفرنسي نحو هذا الموضوع أنه ينطوي على مجموعة من الأمور، منها أن مصطلح “معاداة السامية” لم يعُد صالحاً الآن للاستخدام في تجريم أكثر من يتحدّثون عن جرائم الكيان الصهيوني، الذي يغطي وجوده العنصري الاستيطاني على أراضي فلسطين المحتلة بغطاء ديني، ويزعم أن أرض فلسطين هي “أرض الميعاد”، حسب اعتقاد اليهود الذين استُعمل مصطلح معاداة السامية للإشارة إلى معاداتهم، بمعنى أنه أنشئ منذ البداية على أساس ديني، حيث استعمله الباحث الألماني فيلهم مار، لوصف موجة العداء لليهود في أوروبا الوسطى في أواسط القرن التاسع عشر.
إذاً المصطلح كان موجّهاً أصلاً لتجريم معاداة اليهود في مكان وزمن محدّدين، ولم يُردْ منه آنذاك أن يصبح سارياً في العالم كله إلى يوم القيامة، واستمراره إلى الآن هو ذريعة يستخدمها الكيان الصهيوني في التهرّب من كل المجازر التي ارتكبها في فلسطين ولبنان وسائر البلاد العربية.
ومع أن المصطلح أصلاً لم يشمل جميع الشعوب السامية، حيث يُستثنى منه العرب والآشوريون وسائر الشعوب الساميّة، ويقتصر فقط على أصحاب الديانة اليهودية، إلا أنه لم يعُد مناسباً للحركة الصهيونية ذاتها كي تخفي جرائمها وتهرّبها من القانون وراءه، لأن الصهيونية مفهوم أعم بكثير من الديانة اليهودية، فهي تشمل أتباع الحركة الصهيونية من كل الديانات والقوميات وليس فقط اليهود، وبالتالي لا بدّ من تغيير هذا المصطلح ليشمل أتباع الحركة الصهيونية جميعهم، فما الذي يدفع ماكرون بهذا التوقيت بالذات إلى الدفع بهذا التعديل في المصطلح، وهل لذلك علاقة بالحكومة اليمينية الدعم واليسارية الإعلان التي يتزعمها؟.
لا يخفى على أحد أن الصهيونية العالمية حاولت منذ نشأتها التحالف مع القوى الحاكمة في أوروبا، وأوضح مثال على ذلك التحالف الذي كان قائماً بين الصهيونية والنازية منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث قام الصهاينة الألمان بنقل ما لا يقل عن 45 ألفاً من المهاجرين اليهود على متن سفنهم إلى ميناء حيفا في فلسطين المحتلة قبيل الحرب العالمية الثانية، وأن الأنظمة الحاكمة في أوروبا ذاتها تسعى دائماً لاسترضاء اللوبي الصهيوني الموجود في الدول الأوروبية، فضلاً عن كون أكثر الزعماء الأوروبيين موجودين على رأس السلطة في بلادهم بدعم من الصهيونية، وبالتالي يمكن تفسير الخروج البولندي من هذه العباءة على أنه خروج من التبعية للحركة الصهيونية أو لنقل خروجاً من الابتزاز الصهيوني تحت هذا العنوان.
ومن هنا يأتي التزامن بين الخلاف البولندي الإسرائيلي وسعي ماكرون الآن لتجريم كل من يعادي الصهيونية، وليس فقط من يعادي السامية، محاولة منه لإعادة الحكومة البولندية إلى السلطة الصهيونية، عبر توسيع المصطلح ليشمل كل من يطلق أحكاماً مناهضة للصهيونية، وبالتالي يعدّ ذلك ترسيخاً لسيطرة الصهيونية العالمية على القرار الأوروبي، وهذا بالضبط ما سعى ماكرون إلى تحقيقه بإيعاز من القادة الصهاينة، أو على أقل تقدير مقايضة الوقوف الصهيوني إلى جانبه في مواجهة الاحتجاجات المستمرة في بلاده، التي تؤكد أنها في جوهرها ترفض كل أشكال الاستغلال والإفقار وغيرها من الأمور التي تعتمدها الصهيونية ذاتها في استعباد الشعوب، هذا إن لم تكن غاية ماكرون تقديم أوراق اعتماده للصهيونية شرطيّاً لـ”إسرائيل” في أوروبا.
طلال الزعبي