فصل جديد في مسار التطبيع
المؤتمر الذي شهدته العاصمة البولندية يومي 13و 14 الشهر الحالي وتمخّض عنه حلف وارسو الجديد أو ما سمي بـ “الناتو العربي” لا يعدو كونه فصلاً جديداً من مسار التطبيع غير المعلن لبعض الدول الخليجية مع الكيان الصهيوني إلى مرحلة تأسيسية للتطبيع الكامل.
طوال أشهر روّجت الولايات المتحدة الأمريكية للمؤتمر، وروّجت لأهدافها منه، والتي كان على رأسها فتح آفاق جديدة لما أسمته العلاقات العربية الإسرائيلية، وتمرير “صفقة القرن”، وإنشاء تحالف عسكري وأمني جديد يضم الكيان الصهيوني ودولاً إقليمية، وإظهار إيران على أنها تضرب الاستقرار في المنطقة، تحت عنوان براق هو “الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”، وفكرة التحالف المذكور ليست جديدة، بل تعود إلى أيار 2017، حيث أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية، ولطالما جاهر وزير خارجيته مايك بومبيو بأن المؤتمر يستهدف إيران.
وإذا كان مشايخ أنظمة الخليج يؤكدون في العلن بأنهم متمسكون بالقضية الفلسطينية، إلا أن التسريبات والنوايا المضمرة هي التخلي عن القضية، والذهاب نحو أولويات مختلفة، وعلى رأسها مواجهة مشروع المقاومة في المنطقة وإيران، وبحسب نائب الرئيس الأمريكي الذي ترأس المؤتمر، “جعل إسرائيل تتقاسَمُ الخبزَ مع الدول العربية”، فيما برز وزير خارجية البحرين خالد آل خليفة الأكثر حماسة لهذا التقارب والتطبيع، إذ قال: “تعودنا على أن تكون القضية الفلسطينية هي القضية الأولى، لكن اكتشفنا أن المشكلة في مكان آخر، وأن العداء هو في الأساس، وهو ما دفع رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو للقول: “إنه يصنع التاريخ” تعليقاً على جلوس وزير خارجية الرئيس اليمني المخلوع إلى جانبه وممازحته وتبادل الابتسامات معه.
يمكن القول: إن الهدف الوحيد الذي حققه مؤتمر وارسو بالنسبة للولايات المتحدة كان إظهار التطبيع بين دول عربية والكيان الإسرائيلي علناً، ومشاركة عدد من ممثلي الأنظمة العربية وجلوسهم جنباً إلى جنب مع نتنياهو رسالة واضحة وعلنية بالتمهيد للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب للأرض العربية، في الوقت الذي تسهم تلك الأنظمة في تعميق الأزمات والحروب والإرهاب في المنطقة، ورغم كل ما بذلته واشنطن من مساع لإنجاح المؤتمر إلا أن المراقبين أجمعوا على فشله، حيث طغى عليه الطابع الإعلامي مع عزوف الدول الأوروبية عن حضوره وتخفيض تمثيلها، نظراً لتمسك هذه الدول بالاتفاق النووي مع إيران واتخاذها خطوة جريئة بإنشاء نظام مالي لمواصلة التعاون مع إيران والالتفاف على العقوبات الأمريكية، كما أنها نأت بنفسها عن صفقة القرن الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث سبق واعتبر الاتحاد الأوروبي أن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لـ “إسرائيل” يهدّدُ السلام في الشرق الأوسط، غير أن هذا الفشل لا يغطي على خطوات التطبيع.
لقد ولد المؤتمر ميتاً حتى إنه لم يخرج ببيان ختامي، إلا أنه أسقط ما تبقى من أقنعة عن وجوه دول عربية، و تمثل نجاحه فقط في خدمة نتنياهو والكيان الصهيوني عبر التطبيع المجاني والانسياق العلني من أنظمة الخليج باتجاه المشروع الصهيوأمريكي.
صلاح الدين إبراهيم