مخيم الركبان.. درع بشري أمريكي
بغض النظر عن الذرائع الأمريكية المعلنة للإبقاء على مخيم الركبان على الحدود السورية مع الأردن، ومنع اللاجئين السوريين من المغادرة هناك، فإن وضع المخيم يتحوّل بالتدريج إلى نوع من قنبلة إنسانية موقوتة مرشّحة للانفجار في أية لحظة في وجه إدارة أمريكية مناورة ومتقلّبة وعاجزة عن المضي بأي قرار إلى خواتيمه المفترضة.
ورغم أن احتمال تفكيك مخيم الركبان، ضمن المعطيات الميدانية القائمة حتى الآن، انتهى إلى أن يكون مرتبطاً عملياً بمآلات القرار الأمريكي بالانسحاب من سورية، والترجمات والتحديثات الافتراضية لهذا القرار، إلا أن التدهور المأساوي في أوضاع اللاجئين المعيشية والصحية داخل المخيم، وعودة الأمن والاستقرار إلى غالبية المدن والبلدات والقرى السورية، والحاجة العاجلة إلى تواجد السوريين في مناطقهم الأصلية مع بدء انطلاق عملية إعادة الإعمار، عدا – وهذا هو الأساس – عن حقهم، كمواطنين سوريين أولاً، وكأفراد يفترض أنهم يخضعون للقانون الدولي الإنساني بحكم وجودهم تحت “رعاية” دولية مؤقّتة ثانياً، وكبشر قبل كل شيء، في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، وفي إقرار مستقبلهم ومصيرهم بعيداً عن أية ضغوطات ومن أية جهة كانت داخل أو خارج المخيم.
والواقع، ومع تجاوز حقيقة أن عمليات “اللجوء المنظّم”، المدبّرة والمعدّة مسبقاً، كانت شكّلت واحدة من العلامات الكاشفة لبدايات الحرب على سورية والتورّط المباشر فيها، فإن من الواضح أن مخيم الركبان آخذ في التحوّل، وعلى نحو متسارع، ومنذ بدء عودة المهجرين السوريين من الأردن خاصة، وفيما بعد مع فتح معبر نصيب، ليكون شاهداً على واحدة من كبريات عمليات الاعتقال الجماعي في عصرنا، لنقف اليوم أمام وقائع وتطوّرات هي أقرب إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية مع فرض الحصار ومنع المغادرة. لقد بات الركبان ضحية ماثلة للصراع الداخلي بين المؤسسات السياسية والتشريعية والأمنية الأمريكية، و”رهينة” للحسابات الترامبية المتردّدة، وأصبح المدنيون الفارون من فظائع المجموعات الإرهابية المسلحة أداة للمقايضة على مصير هذه المجموعات، برعاية أمريكية مباشرة، ووسيلة لإنقاذها وتوفير الحماية لها. وأخيراً، يوفّر المخيم لإدارة ترامب ذريعة “إنسانية” للاحتفاظ بوجود عسكري والإبقاء على قاعدة التنف، وهي قاعدة لها أهميتها اللوجستية للجيش العربي السوري ولكنها لا تعدو كونها معسكراً من الرمال والموت بالنسبة لقوات أجنبية ترفع شعار مكافحة الإرهاب.
لا تنطوي التنف على أية أهمية استراتيجية بالنسبة للقوات الأمريكية، وخاصة في ظل العدد الكبير للقواعد الأمريكية الضخمة والمنتشرة في المنطقة؛ والإبقاء على مئتي جندي أمريكي لن يمكِّن من قطع “شريان الاتصال” بين سورية وإيران – كما تردد البروباغاندا الأمريكية والإسرائيلية – فمثل هذا العدد من الجنود لن يكون مؤهّلاً للقيام بأية مهمة عسكرية ذات صلة، وهو لا يمكن أن يقوم إلا ببعض المهام التدريبية واللوجستية لجماعات من المرتزقة – كما هو قائم حالياً – ولكن كثيرين من دهاقنة الإدارة الأمريكية لا يزالون يعوّلون على استخدام اللاجئين السوريين كورقة ضغط وابتزاز ضد الحكومة السورية كلما وجدوا إلى ذلك سبيلاً في بعض الأروقة والمحافل السياسية الأممية، الخاضعة لسيطرتهم الكاملة، وهم مصممون على المتاجرة بمعاناة اللاجئين والبؤس الشديد في مخيمات اللجوء وأشباح الموت البطيء التي تخيّم فوقها، لتحقيق أهداف سياسية وأمنية مكشوفة، واستغلالها مستقبلاً أبشع استغلال كدروع بشرية عند الحاجة، خاصة وأن التطوّرات الأمنية والميدانية تتخذ مساراً متسارعاً، ولا يمكن ضبطه أو التحكم فيه مع تقدّم الزمن.
تدعي الإدارة الأمريكية التخفّف من الأعباء العسكرية والأمنية والأحمال الزائدة في الشرق الأوسط فيما هي تتورّط شيئاً فشيئاً في أسوأ السيناريوهات الإنسانية.. إنها عملية ضخمة لخنق أصوات خمسين ألف لاجئ يتعيّن عليهم، وفق العرف الأمريكي، أن يوفّروا الحماية لعشرات من الجنود والخبراء المحتلين، ولدواعش مهزومين قدّمت الحكومات الغربية لهم ملاذاً آمناً وسط آلاف المدنيين الذين يعبّرن صراحة عن رغبتهم في العودة إلى بيوتهم ومنازلهم.
تنهض مأساة الركبان كدليل صريح على استمرار واشنطن في حماية ورعاية الإرهاب، وتعبير أخير عن الضياع الاستراتيجي الأمريكي في سورية.
بسام هاشم