عزف منفرد
سلوى عباس
نعيش في هذه الـ”سورية” عقولنا وأرواحنا وأنفاسنا مازالت طيبة لأننا ولدنا تحت أشجار تحب الأرض وتعشق السماء المعلقة بالشغف، وتفسح في أرواحنا حيزاً لانبثاق وردة.. هذا ما أرادت أسرة فيلم “عزف منفرد” للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد أن تقدمه في رسالتها، فمنذ أيام عشنا حالة من الحب والنبل الإنساني مع شخصيات الفيلم الذين أكدوا عبر هذه المنمنمة الرومانسية أن الحب هو السلاح الأمضى في وجه الحرب، فزمن الفيلم يعود إلى عامي 2012 و2013 حيث يعم الحزن سورية إثر الحرب الوحشية التي أدمت قلوب الكثيرين، وضمن هذه الأجواء نسج عبد اللطيف عبد الحميد تفاصيل فيلمه كما يحب ويشتهي، فاقترب من القلوب وابتعد عن الدنيا ومشاكلها عبر أشخاص يعيشون مساحة الحب وعفوية الحياة ونقائها، وبطل الفيلم عازف الكونترباص “طلال السكري” أدى دوره الفنان فادي صبيح واحد من هؤلاء المفعمة قلوبهم بالحب والعطاء لم تمنعه ضغوط الحرب والحياة من التعاطف مع رجل هجرته الحرب التقاه صدفة في إحدى دورات المياه العامة يعاني من المرض، فكان وفياً لنبله وأصالته تجاه هذا الرجل المجهول بالنسبة له، لم يستطع أن يتجاهله وعمل بكل استطاعته لمعالجته واستضافته في بيته، وبالمقابل هذا الرجل، أدى دوره الفنان جرجس جبارة، كان وفياً عندما سمحت له الظروف لرد الجميل للعازف طلال وزوجته جسدت شخصيتها الفنانة رنا شميس، وهي أيضاً مغنية، وابنه الشاب ورد عجيب طالب مدرسة، كما جسدت الفنانة أمل عرفة شخصية رنا العازفة التي تضطرها ظروف الحرب أيضاً للعمل سائقة تكسي بعد زواج غير موفق، فكان هؤلاء جميعاً بمثابة الأسرة التي افتقدها هذا الرجل، وتكاتفوا جميعاً لخدمته.
تتعدد مستويات المشاهدة والقراءة لكل عمل من أعمال المخرج عبد اللطيف بطريقة تختلف بعمقها عما سبقها من قراءات، مما يكشف عن تجربة سينمائية غنية ومتميزة بموضوعاتها وتقنياتها، حيث يقدم أعماله بلغة سينمائية تفيض بالشاعرية والحس الرومانسي، ما يجعل هذه الأعمال قريبة من أرواحنا تخاطبها بشفافية وصدق وكأنها تتحدث عن حالة كل واحد منا، ومن هنا فقد حققت أفلامه جماهيرية واسعة، ولعل السبب في الصدى الذي تحققه يعود إلى أنه هو المؤلف والمخرج معاً ينطلق من فكرة أنه الأقدر على التعبير عن نفسه وفهم ما يريد، وبهذا يصبح أهم ما يميز تجربته هو انسجامه مع نفسه، وتركيزه على البعد الإنساني للموضوع الذي يتناوله بكل ما يحمله من مشاعر وعواطف، فالإنسان لديه محور كل قضية يطرحها في إطار البعد الوطني الذي يتقاطع مع أبعاد القضية كلها.
“عزف منفرد” فيلم يطرح عبد الحميد من خلاله أسئلة تؤرقنا جميعاً، وتفرض نفسها علينا في زمن نعيشه وهناك من يسعى لقتل الحب فينا وتبديد آمالنا وأحلامنا، أما الإمتاع فهو المعبّر الرئيسي الذي يعبره المضمون ليتحول إلى شكل فني يتفاعل معه الجمهور، والمخرج عبد اللطيف لا يجد صعوبة في الوصول إلى الناس، لأنه يقدم مقولته ببساطة وصدق ويخاطب فيهم تلقيهم بسلبياتهم وإيجابياتهم، فأفكار أفلامه يستلهمها من الواقع الذي يشكل منهلاً ثراً للموضوعات التي تتداخل مع أبعاد رمزية تحمل دلالات عميقة منسوجة برؤية فنية جميلة وصادقة، حيث البساطة أسلوب يعتمده في معظم أفلامه والصراع الذي نراه فيها ليس صراعاً بين الشخصيات وإنما صراع الشخصيات مع الحياة.. وهذا ما أكدته أحداث فيلم “عزف منفرد”.