تفجير الحدود الباكستانية.. من المستفيد؟
فجأة، ومن دون مقدّمات تفجّرت الأوضاع على الحدود الباكستانية مع الجارين إيران والهند، بتنفيذ عمليتين إرهابيتين، في توقيت مريب يوحي بأن هناك أمراً يدبّر لهذه المنطقة الحيوية من العالم، ولكن السؤال المطروح: لماذا الآن، وما هي الغايات من وراء ذلك؟، هل هو موجّه ضد الاستقرار في المنطقة التي تتحضّر لانسحاب أمريكا وحلفائها من أفغانستان، والأهم من يتحمّل تبعات حرب نووية بين الجارين الهندي والباكستاني، إن وقعت؟.
لاشك أن توقيت تفجير المعركة على الحدود الباكستانية مع كل من الهند وإيران يحمل رسائل في العديد من الاتجاهات، تبدأ بالجارين المستهدفين من قبل المجموعات الإرهابية، التي تتخذ من الأراضي الباكستانية ممراً لاستهدافهما، مروراً بالجارة أفغانستان، التي على ما يبدو أن الأمور فيها تتجه نحو مشهد جديد قديم تستعيد فيه حركة طالبان الصدارة بعد إعلان واشنطن توقيعها اتفاق سلام لانسحاب قواتها بعد 17 عاماً من الغزو، وليس انتهاءً بالعملاق الصيني الذي يعدّ في العقيدة العسكرية الأمريكية تهديداً كبيراً للأمن القومي، وبالتالي فاشتعال المنطقة في محيطه سيؤدي حتماً إلى وصول شظايا الحرب إليه، ومن يدري ربما يكون افتعال الحرب مقدّمة لشن حرب استنزاف له عبر الحدود، باستخدام الأدوات الإرهابية التي تمّ ترحيلها من سورية والعراق على عجل لإعلان نصر وهمي أمريكي على “داعش” ولاسيما من المقاتلين التركستان والإيغور.
والأمر الآخر هو التركيز السعودي على باكستان قبل وخلال زيارة ولي عهد النظام السعودي إليها، والذي لم يكن ليحصل لولا ضوء أخضر من واشنطن تمهيداً لتنفيذ أمر ما يخدم سياساتها، فكان الإغداق السعودي الكبير في المشاريع الاستثمارية التي وصلت قيمتها إلى عشرين مليار دولار، وإطلاق سراح آلاف الباكستانيين المحتجزين في السجون السعودية بعد إعادة تأهيلهم، ولكن بشروط تريدها الرياض قبل البدء بتنفيذها، منها ما هو متصل بالتعاون الاقتصادي مع الصين، وبالتحديد في منطقة “جوادر” والاستثمار فيها، ومنها ما يتعلّق بإيران ومحاولة تحويل حدودها إلى بؤرة استنزاف وإشعالها، ولاسيما أن “جيش العدل” الإرهابي يرتبط بعلاقات مميزة مع الاستخبارات السعودية، وبالتالي فإن عملياته عبر الحدود لم تحصل لولا ضوء أخضر سعودي.
ولكن، على الرغم من كل ذلك، كان لافتاً، مع التوتر الكبير الذي حصل بين إسلام أباد ونيودلهي، أن قيادتي البلدين أعلنتا أنهما غير راغبتين في التصعيد وأنهما منفتحتان على الحوار، والأمر ذاته تحدّثت عنه باكستان مع إيران وأعلنت أنها مستعدة للبحث في هواجسها الأمنية، وهي بالفعل أرسلت فريقاً من وزارة الداخلية الباكستانية إلى طهران لتبديد التوتر. بمعنى آخر، أن هناك من يدفع باتجاه توتير الأجواء بين تلك البلدان التي تتقاطع بعلاقات اقتصادية وسياسية وأمنية، وفرض واقع جديد.
وعليه لا نستطيع أن نفترض أن ما حدث في هذه المنطقة مؤخراً كان وليد مصادفة، أو أنه ناجم عن محاولة من قبل “الحزب الحاكم” في الهند لشد عصب مناصريه قبل الانتخابات البرلمانية، بل هناك مجموعة من الأمور ينبغي أخذها بعين الاهتمام، منها أن الولايات المتحدة نقلت جماعة “داعش” إلى وسط آسيا، وفي الوقت عينه تفاوضت مع طالبان على الخروج، بينما تقوم السعودية بدعم الجماعات الإرهابية الباكستانية المنتشرة على حدود كل من الهند وإيران، وبالتالي تكون واشنطن قد استكملت كل عناصر التفجير في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وخاصة أنها تقع في صلب استراتيجية دونالد ترامب الجديدة، وأن توتر الأوضاع فيها سيدخل خصومها من الصين وروسيا في حرب إثنية وطائفية وعرقية طويلة.
سنان حسن