فنزويلا تتحضّر لمواجهة استفزازات واشنطن الجديدة
بعد فشل الإدارة الأمريكية في جميع محاولاتها السابقة لإثارة الفوضى والقلاقل في فنزويلا، ابتداء من الانقلاب الفاشل، إلى تشديد العقوبات، وصولاً إلى محاولة فرض مساعدات إنسانية على الشعب الفنزويلي لإحداث شرخ داخل المجتمع، يبدو أن الإدارة الأمريكية باتت تعوّل على مسألة عودة خوان غوايدو إلى فنزويلا بطريقة استفزازية لاستخدامها ذريعة للتدخل، حيث تركّزت التهديدات الأمريكية والغربية للحكومة الفنزويلية حول إمكانية اعتقال غوايدو تنفيذاً للقرار الذي ينصّ على سجنه إذا غادر البلاد.
وفي الوقت الذي تتحضّر فيه فنزويلا للمرحلة المقبلة، تشهد الأراضي الكولومبية تنظيماً وتدريباً لجيش غير نظامي، وهو عبارة عن قوات الكونترا الرديفة للعسكر المكوّنة من هؤلاء الفارين وغيرهم، والهدف من ذلك التسلل والاعتداء على فنزويلا، والتسبّب بمواجهات أهلية داخلية، وفق ما تمّ الكشف عنه.
كذلك صدرت بيانات وتصريحات أوروبية وأميركية في حالة استنفار قصوى تخوّفاً من احتجاز غوايدو أثناء عودته إلى البلاد، بعد أن قام بجولة في البرازيل والأرجنتين والإكوادور، دعا فيها إلى التجمّع في نقاط محدّدة والقيام بالتظاهرات، محذّراً الحكومة الشرعية من أنّها إذا حاولت “خطفه” فإنّ هذا الأمر سيكون دون أدنى شكّ واحداً من الأخطاء الأخيرة التي قد ترتكبها الحكومة، على حدّ زعمه.
الاتحاد الأوروبي حذّر من “التعرّض لأمن زعيم المعارضة الفنزويلية وسلامته”، حيث أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، من أن “أيّ تدبير يمكن أن يهدّد حرية غوايدو أو سلامته الشخصية سيصعّد على نحو خطير من حدّة التوتر”، مضيفة: إنّ “ذلك سيقابل بإدانة شديدة من جانب المجتمع الدولي”.
من جهته، أكد سفير فنزويلا في لبنان خيسوس غريغوريو غونزاليس أن قيام المعارضة في بلاده بوضع نفسها تحت تصرف الولايات المتحدة عرّض أمن البلاد ومصالح الفنزويليين لمخاطر كبرى، مشيراً إلى تجاهلها دعوات الحوار المتواصلة التي يوجّهها الرئيس مادورو لحل الأزمة الراهنة سلمياً.
وأشار غونزاليس خلال ندوة في مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية بعنوان “فنزويلا.. نقطة تحول تاريخية”، إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحاول من خلال استهدافها فنزويلا التعويض عن فشلها في مناطق أخرى من العالم ونهب ثروات الشعب الفنزويلي.
وأوضح أن “الأميركيين اتبعوا سبلاً عدة لتحقيق أهدافهم الامبريالية في فنزويلا مثل تجميد مبالغ طائلة للدولة الفنزويلية في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وتشديد الحصار الاقتصادي والتجاري، إضافة إلى الحرب الدبلوماسية والإعلامية ضد حكومة الرئيس مادورو الذي يحظى بتأييد الجيش وأغلبية الشعب الفنزويلي رغم تلك الدعاية أو الحرب النفسية الموجّهة ضده”.
وأعرب غونزاليس عن تفاؤله بانتصار الشعب الفنزويلي على المؤامرة الأميركية المتجددة الذي سيشكّل نقطة تحوّل تاريخية بإسقاط الهيمنة الأميركية على العالم برمته.
وفي السياق، أعرب رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف عن قلق بلاده العميق من تصريحات الولايات المتحدة الأمريكية بشأن احتمال تدخلها العسكري في فنزويلا، وقال في مقابلة مع صحيفة “ترود” البلغارية: إن ضجيج المعلومات حول فنزويلا يساعد على تقويض القانون الدولي ومنع سيادة القانون”، مشيراً إلى أن روسيا تدعم الجهود الرامية إلى إجراء حوار بين الحكومة الفنزويلية والمعارضة.
وأضاف رئيس الوزراء الروسي: إن الولايات المتحدة دائماً تحاول التخلص من الحكومات “غير المرغوب بها من ناحيتهم”، وعلى دول أمريكا اللاتينية التفكير في هذا الأمر، مؤكداً أنه على الرغم من الصعوبات الحالية في العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة لا توجد مواجهة عالمية بينهما.
من جانبه اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن تصريح مستشار الرئيس جون بولتون عن إمكانية تطبيق “مبدأ مونرو” على فنزويلا، يمثل إهانة لأمريكا اللاتينية بأسرها، وقال: “بعد قيام هيئة الأمم المتحدة عام 1945، يخضع القانون الدولي لأحكام ميثاق هذه المنظمة الدولية الأكثر شمولاً وشرعية، بينما تعتبر نظرية وممارسة سياسة “الحدائق الخلفية” أمراً مهيناً”، وتابع: “الرد على تصريح بولتون الوقح يقع على عاتق دول المنطقة، لأنه ذكر إمكانية تطبيق “مبدأ مونرو” على فنزويلا، ليهين بذلك أمريكا اللاتينية كلها”.
وقال بولتون في مقابلة تلفزيونية أمس الأول: إن إدارة الرئيس ترامب تستند في سياستها الخارجية إلى “مبدأ مونرو”، وهي فكرة بلورها الرئيس الخامس للولايات المتحدة جيمس مونرو عام 1823، وتنص على تقاسم مناطق النفوذ في العالم بين واشنطن وأوروبا بطريقة تجعل عملياً نصف الكرة الغربية منطقة نفوذ أمريكية حصرية.
وكان لافروف ندّد خلال اتصال هاتفي مع نظيره الأمريكي مايك بومبيو بالتهديدات الأمريكية للحكومة الشرعية في فنزويلا، مؤكداً أنها تعدّ تدخلاً واضحاً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة وخرقاً فاضحاً للقانون الدولي.
إلى ذلك، أكدت السفارة الروسية في كراكاس أن رئيس المعارضة اليمينية في فنزويلا خوان غوايدو محتال من وجهة نظر قانونية وأخلاقية، وقالت على موقعها في فيسبوك: “وفقاً للدستور الفنزويلي يؤدّي الرئيس اليمين في الجمعية الوطنية أو في المحكمة العليا وليس في ساحة عامة.. ومن المشكوك فيه للغاية أن يكون قد حصل غوايدو على الدعم اللازم من زملائه البرلمانيين”.
وجدّدت السفارة التأكيد أن الرئيس الشرعي لفنزويلا هو نيكولاس مادورو، فهو على النقيض من غوايدو تولّى منصبه بعد حملة انتخابات مفتوحة وبدعم من أكثر من ستة ملايين شخص، وتابعت: “إضافة إلى ذلك إذا كان غوايدو يعتبر نفسه رئيساً شرعياً فعلاً ،فلماذا لم يدعُ إلى عقد انتخابات في غضون 30 يوماً كما تنص المادة 233 من الدستور”.