من يجيب؟ تساؤلات عن عدم عدالة توزيع المخصصات في السويداء.. والحلول تصطدم بنقص الكميات؟!
ملف المحروقات يعتبر من أكثر الملفات الضاغطة في محافظة السويداء لجهة ازدياد الطلب عليه، فالبرد على أشده، وكذلك حاجات الفلاحين، والصناعيين، والحرفيين تتصاعد بسبب تراكمات النقص، والسؤال الذي يشغل بال الجميع حول مدى كفاية 400 ليتر مازوت للخروج من الشتاء لأسر لا تستطيع شراء المازوت الحر؟ طبعاً لو سلمنا جدلاً أن الوزارة ستنجح بتأمين هذه الكمية، رغم أن الأرقام والإحصائيات تشير إلى غير ذلك، والسؤال الأهم، أو يمكن القول المنظر الأكثر إيلاماً للمواطن هو انتشار ما يسمى اصطلاحاً المازوت الحر في الطرقات بشكل يجعل كل شخص معني بملف المحروقات، سواء بالتوقيع، أو التوزيع، في دائرة الاتهام بالنسبة للمواطن؟!.
لسان حال المواطن
باتت هناك قناعة عند المواطن بأنه لا إجراءات شافية لتأمين مادة المازوت بالشكل الكافي أو شبه الكافي، فتوزيع 200 لتر من المادة لا يلبي الطموح، و”لا يغني أو يسمن من جوع”، يعني لا تكفي للوقاية من قساوة الشتاء، وبرودة الأجواء، فأبو فهد، الستيني، بدت الحيرة على وجهه حول كيفية تأمين أسرته خلال الشتاء، حيث لا يستطيع شراء المازوت الحر بمبلغ 60 ألف ليرة للبرميل، علماً أن حاجته من المادة ألف لتر، حيث يقطن في منطقة الكفر ذات الطبيعة الجبلية القاسية.
تصل حاجة الأسر في المحافظة إلى 600 لتر في المناطق المنخفضة والغربية، وتزيد عن 1000 لتر في المناطق الشرقية، ومع ذلك فالكل يعامل بالسوية ذاتها، والأهم أن حاجة أسر المحافظة ذات الطبيعة الجبلية القاسية تختلف عن حاجة أسر مناطق أخرى ذات طبيعة سهلية أو ساحلية، فهل قرار وزارة النفط بالمساواة في توزيع المادة، يعني تحقيق العدالة، يتساءل مواطنون؟!.
يقول حافظ حذيفة، رئيس بلدية الكفر: هناك تصنيف للمناطق السورية على فصل التدفئة كمناطق باردة ومعتدلة يجب أخذها بعين الاعتبار، وتعد محافظة السويداء في هذا التصنيف من المناطق الباردة، حيث تصل درجات الحرارة إلى تحت الصفر، ويمتد فصل الشتاء فيها لأكثر من خمسة أشهر تدفئة، بينما التدفئة في مناطق أخرى كالساحلية ودمشق لا تزيد عن ثلاثة أشهر، ودرجات الحرارة تكون دائماً معتدلة، وبالتالي حاجة الأسر إلى المازوت أقل بكثير من المناطق الباردة، وفي المحافظة نفسها تختلف درجات الحرارة، ومازوت التدفئة المطلوب من منطقة لأخرى، وهذا يجب أخذه بعين الاعتبار عند تحديد مخصصات الأسر في عمليات التوزيع، وفي ترتيب التوزيع بشكل ينسجم مع طبيعة كل منطقة، وحاجتها الفعلية.
اجتماعات دورية!
وفي الحديث عن إجراءات لجنة المحروقات فإنها تعقد اجتماعاً أسبوعياً تناقش فيه حالة توزيع المادة، وتضع حلولاً للمشكلات العالقة، وتتواصل مع الجهات المعنية الأعلى لتذليل الصعوبات والعقبات، وإذا كانت القرارات تشكّل التفافاً على واقع نقص المادة لجهة عمليات حرمان موزعين تلاعبوا بالكيل، ولكن يبدو أن ما يفكر به أعضاء اللجنة بصوت منخفض هو: “اليد قصيرة والعين بصيرة”، فتوفر المادة كفيل بإنهاء كل هذه الإجراءات.
يقول مدير المحروقات خالد طيفور: إن حاجتنا من مادة المازوت هذه الفترة هي 24 طلباً، منها 16 طلباً للتدفئة، ولكن ما يصل من تلك الطلبات هو 8 طلبات توزع على كافة الفعاليات من مياه، وصحة، وأفران، وزراعة، وكذلك للتدفئة!.
وبيّن طيفور أن عدد أسر المحافظة التي استلمت البطاقة الذكية وصل إلى 118 ألف أسرة تحتاج إلى 52 مليون لتر مازوت إذا اعتبرنا أن المخصص هو 400 لتر، علماً أنها كمية قليلة جداً، ومع ذلك لم يوزع أكثر من 23 مليون لتر حتى تاريخه، والحل بمضاعفة كميات التوزيع بشكل يغطي حاجة المواطنين ولو بالحد الأدنى.
المفارقة المضحكة
يبقى المنظر الأكثر قساوة عند المواطنين، والذي يثير العديد من التساؤلات هو وجود المازوت الحر وانتشاره بشكل كبير على الطريق الرئيسي في مدينة السويداء، “على عينك يا مسؤول”، ومع ذلك لم يجد المواطن أي تحرك لقمع هذه الظاهرة التي تشعره بالذل وهو يفاوض على شراء بضعة لترات مع أحدهم.
يقول أحد الذين يعملون في مجال المازوت الحر إنه لم يعد يستطيع الحصول على المادة، وقد باتت تباع بـ 500 ليرة، وتهرّب باتجاه بلدة عرى، ومن هناك تدخل بأسعار خرافية إلى ريف درعا، فيما أردف آخر بأن المازوت يهرّب باتجاه الأردن لأنه رخيص، وحيتان يقفون خلف ذلك، المضحك بالموضوع أن من يتلاعب بالمحروقات بات يتحدث عن الفساد، وهي حالة لم تحصل سابقاً، وهذا يعتبر تطوراً نوعياً في تعريف الفساد، فأحد المغتربين يدعى عادل ش قال بأنه لم يترك زاوية إلا وبحث عنها، وعلى استعداد لدفع أي مبلغ مقابل أن يحصل على قليل من المازوت حتى يستطيع استقبال ضيوفه، موضحاً أن غالبية أصدقائه وجهوه نحو بلدة عرى.
يبقى السؤال الذي يبحث عن جواب: من أين يأتي المازوت الذي يسمى اصطلاحاً بالحر؟!.. التقاطعات تشير، والكلام لمدير المحروقات، إلى أن المادة تتوفر من طريقين: أولهما بيع مخصصات البطاقات ومخصصات باصات النقل لأصحاب المحطات الذين بدورهم يقومون ببيع المادة لعملاء لهم، وهنا تلعب اللجان المحلية دوراً في الإشراف والمتابعة لعمليات بيع كل لتر مازوت يخرج من محطات الوقود لمعرفة وجهته، ومن المستفيد منه؟!.
“الحل بالبطانيات”
حذر المهتمون بالبيئة من تداعيات انقطاع المحروقات على ما تبقى من أشجار في المحافظة، خاصة أن لصوص الحطب لم يعودوا يكترثون بالقانون، ويغزون كل يوم على أية شجرة واقفة، وقد وصلت غزواتهم إلى الحدائق العامة الموجودة داخل مدينة السويداء، و”حلقوا لها على الصفر”؟!.. وما الضبوط التي تنظمها دائرة الحراج، وكميات الحطب التي تتم مصادرتها إلا دليل على مدى الخطر الذي تتعرّض له الثروة الحراجية جراء نقص المازوت، وتساهم الدوريات التي تنفذها عناصر دائرة الحراج في الحد من الاعتداء على الغابات، ولكن يبقى لسان حال المواطن يردد: “صحيح لا تأكل ومقسوم لا تأكل وكول لتشبع”، في إشارة إلى الطريق الذي يجب اتباعه للوقاية من البرد، وقد يكون الحل ما عبّر عنه أمين الفرقة الحزبية في سالة ماجد نصار عندما قال: إننا نمضي معظم وقتنا ملتفين بالبطانيات، فالكميات التي تم توزيعها علينا نفدت في الشهر الأول، ولا طريق آخر أمامنا سوى البطانيات!.
“الجود بالإجراءات”
لا شك أن انتشار المازوت الحر في الشوارع يقطع جزءاً هاماً من خيوط الثقة بالمبررات التي يقدمها المسؤولون حول أسباب التقصير، ولكن لتكريس عامل الثقة لابد من تحقيق نقطتين أساسيتين هما: عدالة التوزيع، ومراقبة جادة تنهي مظاهر “الحر” في الطرقات، وبعدها يتم الحديث بموضوع “الجود بالموجود”.
رفعت الديك