صحّ النّوم..!؟
أن يتوارى أحد مسؤولي الجمارك عن الأنظار أو يفرّ خارج القطر بعد تحقيقات كشفت تورّطه في عمليات فساد قُدّرت بمليارات الليرات، بحسب مصادر مطّلعة في إدارة الجمارك العامة، بينما التّحقيقات في مراحل لم تنتهِ بعد لتتمكّن من تحديد المبلغ الإجمالي المنهوب؛ فهذه ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، التي يفرّ فيها موظفٌ حكومي بمالٍ عام منهوب. ولسانُ حال الناس مزدرياً واقعنا الرّقابي القائم يقول: صحّ النّوم..!؟
الأمر الذي يفتح الباب واسعاً لسيلٍ من الأسئلة تبدأ ب: أين أجهزتنا الرّقابيّة؟ سواءٌ من حيث موقعها بالنسبة للمؤسّسة: داخليّة أم خارجيّة؟ أو من حيث توقيتها: وقائيّة، سابقة، لاحقة؟ لتنتهي ب: أين “قلاعنا” الرّقابية المُفترضة في رقعة شطرنجنا الإدارية، وفي المقدّمة منها: هيئة الرّقابة والتّفتيش، وجهاز الرّقابة المالية، بأسطوليهما البشري والماديّ؟ اللّتان أُنيطت بهما دستورياً وقانونياً مهام حراسة المال العام، من أدوات الفساد الإداري والمالي، ودكّ معاقل الفساد وحصونه أنّى وجدت؟
وإذا كان من المسلّم به أنّ الرّقابة الوقائيّة تحول دون حدوث انحرافات عن المعايير المعتمدة. بينما تختص الرّقابة الملازمة أو المواكبة بتحديد الانحرافات وتشخيصها خلال العمل، وتتّخذ الإجراءات الكفيلة بتصويبها. في حين تفيد الرّقابة النّهائية في درء الأخطاء في المستقبل وتلافيها؛ يغدو من الموضوعيّة والعدالة بمكان مُساءلة الفرق التّفتيشيّة المُفرزة من هذه الأجهزة لمراقبة هذا القطاع؛ عن تقصيرها وإهمالها لواجباتها المنوطة بها قانوناً، وبالتّالي اعتبار هذه الفرق شريكةً في فعل الفساد المُرتكب وتداعياته، إذ لو أنّها قامت بواجبها الرّقابيّ؛ لمنعت الواقعة، أو على أقلّ تقدير: لما وصل رقم المال المنهوب من قبل موظّفٍ فردٍ إلى ما وصل إليه من كتلة ملياريّة..!
وما لا يمكن إنكاره؛ أنّ آثار الغياب وتبعات الحضور الخجول لهيئاتنا الرّقابية المنوط بها مكافحة الفساد، تُعدّ من أهم مشاهد الضّعف في النّظم الإدارية، والتي استولدت كمّاً لا يُستهان به من مظاهر الفساد في يوميّاتنا المعيشة، وأرخت بظلالها الثّقيلة على الفرد وعلى المجتمع، وما لبثت تشكّل عوامل ضعف؛ تُخلخل ثقة الجمهور بالهياكل الرّقابيّة القائمة وكذا بعائديّتها الوصائيّة أو الرّعائية!
ما يجعل من الملحاحيّة بمكان؛ وجود هيئات رقابيّة رصينة وشفّافة، تحظى بثقة شعبيّة، وبمواكبة إعلاميّة، تحرص على تحقيق سيادة القانون، ولا تتوانى عن دكّ معاقل الفساد بشتى صوره وأشكاله، إنفاذاً للقانون أولاً، وتعزيزاً لمنظومة المجتمع القيميّة والأخلاقية، تالياً، فضلاً عن ترسيخ كرامة المرء في وطنٍ أثخنته جراح الظّلام..!
والحال أنّ أزمة الثّقة بين هذا الجمهور وتلكم الأجهزة الرّقابية، والمتأتيّة من واقع الاسترخاء واللامبالاة التي طبعت أداءها لسنوات عدّة؛ مع ملفّات كثيرة تحت ذرائع ومسمّيات شتّى؛ تفتقر في جوهرها إلى هاجس الشّعور بالمسؤولية، تحيلنا في العمق إلى ذهنيّة نسقيّة عديمة المبادرة؛ لا يسعنا مع ما تسوق من مبرّرات إلّا أن نزداد خشيةً على ما تبقى من منظومة قيميّة معياريّة للنزاهة وأخواتها؛ وتجعل من الضّرورة بمكان إعادة النّظر في تقويم أداء هذه الأجهزة، قبل تجشيمها عناء حمولات ذات صبغة جماهيرية عريضة؛ لا قدرة لها على تحمّلها إمّا بسببٍ من هشاشةٍ وضعفٍ ذاتيّين؛ استولدهما واقع الترهّل أو الشّيخوخة في أروقتها، أو من حاجةٍ موضوعيّة إلى إعادة هيكلتها؛ بما يتواءم وواقع المسؤوليّات الجسام المُلقاة على عاتقها حاضراً ومستقبلاً..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com