الجيش قادر على إنجاز المهمة
يبدو أن الوضع في مدينة إدلب وصل أخيراً إلى نقطة اللاعودة، وأن عملية عسكرية جراحية وحدها قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها هناك، حيث تمارس المجموعات الإرهابية تصعيداً لافتاً وغير مسبوق، وتعمل على بناء التحصينات واستقدام التعزيزات العسكرية، مع ازدياد وتيرة اعتداءاتها على القرى والبلدات الآمنة في أرياف حماة واللاذقية وحلب. و”المشكلة!” أن جميع الأطراف المتواجدة عملياً على الأرض تسقط تدريجياً في مطب سوء الفهم الذي لطالما كانت روّجت له مع بداية الاستيلاء على المدينة، وأنها تواجه ابتداء من الآن استحقاق مواجهة الحقائق المرّة. فها هو أردوغان يجازف في التمادي باللعب النار، وها هم القطريون يعودون من الباب الضيّق بهدف تمويل إرهابيي “القبعات البيض” والاستمرار بالتطبيقات الكيماوية بكل ما تنطوي عليه من تضليل وفبركات، ومرة أخرى يتمّ العمل على إنتاج السيناريو الأبدي لمحاولة إسباغ العباءة “السياسية” الإخوانية على تنظيم إرهابي، وتشكيل ما يمكن أن يمنح الانطباع بوجود سلطة مدنية لها من يتعاون معها – المقصود نظام “العدالة والتنمية” في اسطنبول بالطبع – بعد استكمال إخضاع إدلب بالكامل إلى سيطرة مجموعة إجرامية احدة، هي ما يسمى “هيئة تحرير الشام”، والتضحية بباقي الحلفاء، وللمرة الألف يواصل أردوغان تقديم التعهدات وحلف أغلظ الأيمان للروس منتظراً بقلب واجف نظرة عطف من الأمريكان!.
الواضح أن الجميع عالقون ومتورّطون في مصيدة محكمة من سيناريوهات عقيمة وفاشلة كانوا المساهم الرئيسي في نسجها كواقع عملي على الأرض، والواضح أيضاً أن لعبة شراء الوقت غير قابلة للاستمرار، وأن البؤرة الإرهابية التي يسعى التحالف الخليجي الأطلسي العثماني الجديد للاحتفاظ بها في الشمال الغربي من سورية كقاعدة للضغط والابتزاز وكـ “بروفة” أولية لإطلاق حديث علني عن تقسيم سورية، تواجه معضلة الخروج تماماً عن كل قواعد “الانضباط” المتوقّع، إذ تمضي “هيئة تحرير الشام”، تنظيم “النصرة” سابقاً، وفرع “القاعدة” في سورية قبلها، لتجر وراءها السياسات الأردوغانية مستسلمة ومرغمة إلى حقل ألعابها الخاصة، بحيث بات من الصعب التمييز بين التتريك والوهبنة، وبحيث باتت المدينة مسرحاً لعمليات تصفية انتقلت من اغتيال الأفراد، إلى إلغاء المجموعات المنافسة، إلى التهجير الجماعي لأبناء المناطق “غير الموالية”، فإلى انتزاع الأراضي ومصادرات الممتلكات وإحراق المزروعات، وممارسة المناقلات الديموغرافية والإحلالات الاستيطانية بما يخدم عملية تعويض ومكافأة الإرهاب.
تستهدف “القاعدة ” عمق المناطق الآمنة وسط سورية، وتناور تركيا للوصول إلى أهداف استراتيجية، وإقامة منطقة عازلة على طول الحدود دون أي اكتراث لتنفيذ التزاماتها في اتفاق سوتشي، وترتفع معاناة وأصوات الأهالي مطالبين الجيش العربي السوري بالدخول لإنهاء الوضع الشاذ، فيما تبدو فرص التوصل إلى أي اتفاق لإعادة الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية إلى المدينة نوعاً من أمل كاذب، فالإرهابيون إرهابيون، ومن يتحكّم بالوضع في مدينة إدلب هم “جبهة النصرة”، زبانية “القاعدة” في النهاية، أما أردوغان فهو لم يقرأ من عملية أستانا حتى اليوم إلا ما يفيد في جعل المدينة رافعة لتوسيع مخططاته وأطماعه في سورية، فيما يتنفس الإرهاب الدولي جرعات جديدة من شأنها أن تعيد منجزات مكافحة الإرهاب إلى النقطة التي بدأت منها.
فهل يمكن القول: إن العد التنازلي قد بدأ بالفعل لإنهاء سيطرة الجماعات الإرهابية على المدينة، وأنه لم يعد هناك من خيار إلا الحل العسكري بعد أن وقفت الحلول السياسية عاجزة أمام النشاط المسلّح؟ وهل حان الوقت للجيش العربي السوري كي ينجز المهمة بعد أن باتت العملية العسكرية ضرورية وحتمية؟.
الجيش العربي السوري يوسّع عملياته في عمق المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية المسلحة، وطبول الحرب تتعالى بانتظار ساعة الصفر التي يتوق إليها أهالي إدلب الأوفياء، وكل الوطنيين الشرفاء لاستكمال تطهير كل شبر من سورية.
.. إدلب أكبر من أن يبتعلها أردوغان!، والجيش قادر على إنجاز المهمة.
بسام هاشم