كسر القيد!
لم يراع مشاعرها، أو يستكين لنداءاتها المطالبة بتأجيل النقاش إلى المنزل، بل تابع وبكل صفاقة رفع نبرة صوته، واتهامها بالغباء، ومحاولتها كسر إرادته الرجولية التي لا يقبل، “حسب ما كان يقول لها”، لأية امرأة أن تفعل ذلك حتى ولو كانت أمه، وتفاقم الموقف ليشهد صفعة قوية على وجه الفتاة التي لم تفعل شيئاً سوى أنها أرادت لجم كلماته وتهدئته حتى التواري عن أنظار الناس، والوصول إلى المنزل، (وليكن ما يكون)، ولكنه أصر على تعنيفها وجرها من شعرها بطريقة بشعة إلى الميكروباص، وإكمال المشهد داخله!.
طبعاً هذا المشهد الذي تم رصده من ساحة الواقع ليس فريداً بأحداثه، بل هو أحد مئات إذا لم نقل آلاف المشاهد التي نتابعها في جميع الأماكن لنكون شهوداً على تلك المحاولات الكثيرة من الرجال لإغراق حياة المرأة في المتاهة التفاضلية التي تمنحهم حق مصادرة حقوقها، والطعن في أهليتها، والتقليل من شأن شراكتها باعتبارها الضلع القاصر في حياتهم، وهذا الانتقاص ناتج عن منظومة تربوية مجتمعية مصابة بحمى الذكورية المفرطة في العدائية تجاه كل ما يحمل صفات الأنوثة، وللأسف ينزلق بعض من يدعون أنهم من أصحاب الفكر وحملة النصيحة في حملات تجريد المرأة وضرب حضورها ككائن بشري، ومسخ شخصيتها بالاستناد إلى أقوال ليس لها وجود عبر مراحل التاريخ كافة، والاستشهاد بها في هذا الزمن لتكون واقعاً يحاصر المرأة، ويخضعها للغرائز فقط.
في مقابل هذا الفكر العفن، هناك نساء كثيرات أخرجن أنفسهن من شرنقة المجتمع الذكوري، فإصرارهن المشفوع بقسوة الظروف والمستجدات الحياتية والمعيشية في بعض جوانبه منحهن القدرة على تخطي التحديات، وتعزيز الثقة بقدراتهن في كسر المستحيل والقيود، وتجاوز الممنوعات الاجتماعية ذات السمة الذكورية، فأثبتن أن المرأة السورية قادرة على إعالة نفسها وأطفالها دون شهادة تحملها، أو كفاءات وخبرات تتميز بها، وقدمن الدليل من خلال اقتحام ميادين عمل الرجال، والعمل في مهن كانت لوقت قريب حكراً على المجتمع الذكوري، من العمل في مهنة القصاب، مروراً بأعمال البناء، وصولاً إلى العمل في ميادين النقل العام، ولن يستطيع أحد إنكار أو تجاهل أنهن شريكات حقيقيات في بنية المجتمع السوري مهما اختلفت المواقف، وتباينت الآراء من عملهن، ومهما اشتدت المحن، وهذا ثابت عبر التاريخ، والشواهد على ذلك كثيرة، فنجد أن المرأة تقف جنباً إلى جنب مع الرجل في المجتمع السوري.
وفي الوقت الذي تناضل فيه النساء في بعض الدول المتخلفة لتحصل على أبسط حقوقهن، تقدم المرأة في بلدنا نموذجاً متقدماً للمرأة العصرية التي تمتلك رجاحة الفكر، والقدرة على المشاركة في صنع القرار، وهي أيضاً صاحبة العزيمة والبأس عندما تقتضي الضرورة.
لا يختلف اثنان على أن المتغيرات الجديدة تفرض عملاً جدياً لتأمين حاضنة قانونية تحمي المرأة، وخاصة في المرحلة الحالية، وطبعاً التعديلات التي حصلت على قانون الأحوال الشخصية تندرج ضمن هذه الحاضنة، إلا أنها لا تكفي، ولابد من العمل لتأمين فرص جديدة للعمل، بما في ذلك إعادة النظر بقوانين عمل المرأة الموجودة لنحافظ على حقوقها، حتى لو كان هذا العمل يخص الرجال فقط كما كان يعتقد.
المرحلة القادمة تفرض الإجابة عن سؤال هام جداً يتعلق باستراتيجية استثمار دور المرأة وقدراتها في مرحلة الإعمار والبناء؟.
بشير فرزان