مع صعوبات تحقيق التزاوج الميداني بين التعليم وسوق العمل “التربية” في خطوات وثابة لتغيير النظرة الدونية للتعليم المهني
لا يختلف اثنان على ضرورة التزاوج الحقيقي بين التعليم التقني والمهني وسوق العمل والقطاع الخاص للوصول إلى الغاية المنشودة من التعليم، فطالما شغلت قضية التعليم المهني والتقني حيّزاً واسعاً من النقاش سواء حكومياً أو إعلامياً، إلا أن الحلول الناجعة لم تجد السكة الصحيحة في ظل ارتباط هذا القطاع التعليمي بأكثر من جهة مع وجود نظرة مجتمعية تعتبر هذا النوع من التعليم درجة ثانية بعد التعليم العام واصطدام المخرجات بالواقع لعدم مواءمتها مع متطلبات سوق العمل.
ويؤكد خبراء في هذا الشأن على جملة من الصعوبات التي تعتري التعليم المهني والتقني منها غياب التخطيط السليم وعدم وجود دراسة حقيقية لمتطلبات سوق العمل من قبل هيئة التخطيط وغرف الصناعة والتجارة والجهات المعنية، خاصة أن وزارة التربية لم تأل جهداً في مساعيها تجاه تحقيق الترابط الحقيقي بين التعليم وسوق العمل، واتهم الخبراء القطاع الخاص وغرف الصناعة والتجارة بالتقصير وغياب الجدية بالنسبة لهذا الموضوع رغم كل ما يوقع من مذكرات تفاهم وشركات والتي لا تتجاوز الورق والتصريحات.
تعزيز وتنسيق
إلا أن ما تشهده وزارة التربية من خطوات وثابة لردم هذه الفجوة بين التربية وسوق العمل، وذلك من خلال تفعيل المذكرات والتأكيد على تنفيذها على أرض الواقع حسبما أكده وزير التربية عماد العزب مؤخراً عندما أبرمت الوزارة اتفاقية مع غرفة تجارة دمشق وغرفة حماة لتعزيز التعاون والتنسيق والربط بين مجتمع الأعمال وطلاب المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة. وكان رد وزير التربية واضحاً على عدم تفعيل ما يوقع على الورق من مذكرات، ليؤكد أن الوزارة وضعت برنامجاً للتنفيذ وفق جدول زمني محدد لتطبيق بنود المذكرتين، مشدداً على ضرورة متابعة خطوات العمل وتذليل كافة الصعوبات مع تقديم كامل التسهيلات لإنجاح المشروع الذي جاء استكمالاً لخطط كانت موجودة سابقاً، والآن يتم تطويرها وتطوير آليات العمل بها من حيث إتاحة الفرصة لبند جديد وهو التلمذة التجارية للطلاب.
وزير التربية لفت لـ”البعث” إلى أن الوزارة استطاعت الاعتماد على الذات من خلال ما حققه الطلاب في المساهمة بترميم وتأهيل ما خربه الإرهاب من خلال تطوير القدرات لكي يتم استثمارها في الحيّز العملي والتنفيذي والتطبيقي، منوّهاً بالدور التشاركي الفعال لغرف التجارة وتطوير قدرات الطلاب في التعليم المهني والصناعي ودخولهم سوق العمل، خاصة في ظل النقص الحاد وعملية الاستنزاف للخبرات الوطنية من جراء الحرب الجائرة ليتم الاعتماد على طاقات وقدرات الشباب الصاعد مع تأمين فرص عمل لهم ودمجهم في المجتمع.
اقتباس خبرات
ومع هذه الجرعات التفاؤلية التربوية يعتبر الخبير في التنمية البشرية والإدارية أسامة ساطع أن الفجوة موجودة منذ زمن بعيد، فالمناهج الدراسية بحاجة لتقييم دائم ولابد من الاقتباس من تجارب الدولة المتقدمة في هذا المجال، خاصة في اكتساب المهارات بالنسبة للطالب كون لها تأثير كبير على شخصية الطالب ومدى فاعليته وقدرته بالانخراط مع سوق العمل.
وحمل الساطع في تصريحه لـ”البعث” الجمعيات الأهلية والمنظمات مسؤولية المساهمة في النهوض بالواقع التعليمي المزدوج وربطه بالسوق من خلال تبني الأفكار والمساعدة في تحقيقها، وذلك بالتنسيق مع وزارة التربية والجهات المعنية والخاصة، ولاسيما أن التربية اتخذت الخطوة الأولى في تنفيذ الاتفاقية، وذلك بتنفيذ برنامج جلسات المرشد التجاري في غرفة تجارة دمشق حسبما أوضحته الموجه الأول للتعليم التجاري في وزارة التربية سوسن حرستاني التي لفتت في حديثها لـ”البعث” إلى أهمية ربط التعليم بسوق العمل، خصوصاً الثانويات المهنية التجارية كونها المرحلة ما قبل الجامعية التي يتم فيها الانتقال للاختصاص في المرحلة مابعد الثانوية، وهي مرتبطة بأعمال يزاولها خريجو المعاهد التجارية، كما أن الاتفاقية هي الأولى من نوعها المتعلقة بالتلمذة التجارية والتي ستعطي نتائج إيجابية على الطلاب خريجي الثانويات المهنية التجارية، مبيّنة أن الدورات المتبعة وجلسات العمل تأتي بتعاون الفريقين حول تنظيمها واستقدام خبرات العمل من قبل رجال أعمال ناجحين تنتدبهم الغرفة لعرض خبراتهم وخلاصة تجاربهم في مجال إنشاء الأعمال وتطويرها.
دورات تفاعلية
إلا أن الساطع اعتبر أن هذه الدورات تبقى نظرية تحفيزية كمرحلة أولية فلابد من الانتقال إلى المرحلة العملية والاستفادة من المهارات المكتسبة بالقطاع الخاص الذي يعتبر شريكاً أساسياً في تعزيز هذه الاتفاقيات وأن تتحول هذه الدورات من نظرية إلى تفاعلية وتعاد صياغتها كدورات كاملة تفاعلية في الشركات أو وزارة التربية في القاعات المخبرية لكي يتمكن المدرب أن يطبق النظريات بشكل عملي مع ضرورة التواجد في المؤسسات على رأس العمل لاكتساب الخبرة المطلوبة.
زيارات ولجان
في الوقت الذي تؤكد حرستاني أن من بنود المذكرة تنظيم زيارات لطلاب المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة في مدينة دمشق إلى الغرفة للاطلاع على نشاطاتها وخدماتها وأقسامها الرئيسية لقاء التجار أصحاب الخبرة والاستفادة من تجاربهم العملية، مع تشكيل لجان مشتركة بين الفريقين لبحث ما يحتاجه الطلاب لكي يتمكنوا من الدخول إلى سوق العمل بسهولة، ووضع مقترحات وأسس لنظام التعليم التجاري المزدوج (تلمذة تجارية).
وأضافت حرستاني: إن الوزارة ستقوم خلال فترة نفاذ المذكرة بإعلام الغرفة بفعاليات تكريم المتفوقين من المؤسسات التعليمية التابعة لها ضمن مدينة دمشق، خاصةً المؤسسات التي تعتبر مخرجاتها مفيدةً للوسط التجاري وقطّاع الأعمال، وذلك بهدف التنسيق لدعم التكريم من قبل الغرفة وبحث إمكانية تأمين التدريب العملي أو فرص العمل للمتفوقين.
وهذا ما أكد عليه مدير غرفة تجارة دمشق الدكتور عامر خربوطلي، حيث تتيح الغرفة لطلاب المؤسسات التعليمية التجارية التابعة للوزارة ضمن مدينة دمشق الاستفادة من خدمات الغرفة، ومنها (مكتبة الغرفة – بنك المعلومات- شبكة الأعمال الأوروبية EEN- الأنظمة والتشريعات الاقتصادية المحلية– معلومات الأسواق الخارجية- الاستشارات– الندوات والمحاضرات)، إضافة إلى منح طلاب المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة ضمن مدينة دمشق حسماً خاصاً عند تسجيلهم للدورات التدريبية لدى مركز التدريب الإداري في الغرفة يماثل الحسم المعتمد لمنتسبي الغرفة بالإضافة لشهادة تدريب رسمية من قبل الغرفة.
وأوضح خربوطلي أن الغرفة والشركات التجارية مستعدين لاستقبال الطلاب سنوياً طلاب المؤسسات التعليمية التابعة للوزارة ضمن مدينة دمشق الذين يتطلب إنهاءهم للمقررات الدراسية فترة تدريبية عملية في المؤسسات ويعتبر إتمام الفترة المذكورة متطلباً للتخرج.
تغير إدارات
وحول أسباب عدم تفعيل المذكرات السابقة الموقعة. عزا خربوطلي الأسباب إلى تعاقب الإدارات المسؤولة فعند توقيع مذكرة ومن بعدها تتغير الإدارة يتوقف العمل ريثما تتابع الموضوع الإدارات المعنية، منوّهاً بجدية العمل عند وزارة التربية لتفعيل هذه المذكرات مع الإصرار على تنفيذ بنودها من قبل الطرفين، خاصة أن غرفة التجارة تفتح أبوابها للجميع كونها جزء من منظومة العمل.
علي حسون