مقومات ما قبل كتابة النص وما بعده
تحت عنوان مبهم في دلالته إلى حد ما جاءت محاضرة فرع حمص لاتحاد الكتاب العرب للكاتب عطية مسوح الذي عنونها ب”ماقبل الكتابة وما بعدها” العنوان الذي أوحى لنا ولمقدم النشاط الثقافي محمد بري العواني بسرد تاريخي يتناول الثقافة المجتمعية ما قبل معرفة الكتابة وما بعدها،لكننا فوجئنا بمعنى مغاير تماما يروم به الكاتب مسوح، ما قبل كتابة النص ومابعده، أي كما يقول الروائي هنري جيمس “لا يمكن لقصة جيدة أن تنبثق من ذهن سطحي، وكذلك الشعر الرائع لايمكن أن ينبثق من ذهن سقيم “أي أن ثقافة الكاتب متعددة المصادر والاتجاهات هي أهم شرط لإنتاج نص ناجح،بمعنى آخر، إن كان الكاتب يتبنى اتجاها فكريا معينا،لا يجب أن تظل ثقافته رهينة لهذا الاتجاه أحادي الثقافة، لأنه في هذه الحالة سيجعل القارئ يدور في حلقة مفرغة، فالكاتب الذي يتبنى التيار الديني، أو القومي، أو الماركسي لا يجب أن ينطلق في بحثه فقط من ثقافة التيار ذاته، دون الإلمام بالعلوم الأخرى، لأنه في هذه الحالة سيقدم بحثا سطحيا وتكرارا لما قدمه سابقوه.
هذه الأحادية في مصادر الثقافة يرى فيها مسوح أحادية في تكوين الشخصية الفكرية للكاتب التي تودي به إلى منتج ضحل يندرج ضمن ما سماها بالثقافة الخفيفة المنتشرة بكثرة في عصرنا الراهن، الثقافة التي يحصل عليها الإنسان دون عناء كالثقافة التي تروجها وسائل الإعلام غالبا، أما الثقافة غير الخفيفة فإنها تتطلب مجهودا وتخطيطا منظما.
النقطة الأخرى التي أثارها المحاضر لاعتبارات ما قبل الكتابة هي التفكير بالقارئ قبل الشروع بالكتابة وهي مسألة مهمة لما بعد،وليس المقصود بذلك أن يسترضي القارئ على حساب نوعية الكتابة وعمقها، بل أن ينطلق في المجال البحثي والفكري من أن القارئ مفكر أيضا، أي أن القارئ سيناقش الفكرة وقد يرفضها أو يأخذ بها،لذلك لابد من أن تكون الكتابة عميقة بعيدة عن السطحية انطلاقا من قناعة أن كل قارئ هو مفكر شفهي قادر على توليد الأفكار في أحاديثه ومناقشاته الشفهية. النقطة الثالثة لكتابة نص مقبول هي الوضوح،فالكاتب الذي يستند إلى أرضية ثقافية عميقة وواسعة تأتي كتابته أكثر وضوحا وسلاسة، والكاتب الذي ينتج نصوصا غامضة هو كاتب لا يستند إلى أرضية واسعة وخبرة كبيرة، ومن أشكال احترام القارئ أن تأتي كتابته واضحة وسهلة، لأن أعمق الأفكار يمكن التعبير عنها بأبسط العبارات إذا كان الكاتب متمكنا من أدواته.
وفيما يتعلق بما بعد الكتابة، فإن الكاتب مسوح يرفض كلمة “المتلقي” في تسمية القارئ، لأنها ذات دلالة سلبية، ويفضل عليها كلمة القارئ أو المتفاعل،وكل قارئ متفاعل هو كاتب آخر للنص الذي يقرأه، وأما المتلقي فهو سلبي غير تفاعلي، لذلك يمكن القول:إن النص القابل للتفاعل مع القراء بمختلف اتجاهاتهم وبناهم الثقافية والمعرفية والنفسية هو النص الحي.
القارئ المتفاعل لايتأثر فقط بما يقرأ وإنما يؤثر أيضا، عبر التأويل وإعادة القراءة، والإضافة إلى النص، فما من نص عاش زمنا طويلا إلا وعاش في أذهان القراء وفي فعلهم الثقافي والاجتماعي،مختلفا عما كان عليه عندما كتبه مؤلفه وهو اختلاف قد يكون كبيرا أو صغيرا.
آصف إبراهيم