في الأدب النّسويّ وإحالاته
عبد الكريم النّاعم
آخذ مصطلح “الأدب النّسويّ” في سويّته المعروفة، والمتَداوَلة، وهو كلّ أدب تنتجه امرأة، ويكون على درجة مقنِعة لتعليق هذه الشارة على صدر مَن تستحقّ، ولا يفوتني أنْ أشير إلى ذلك الكمّ الكبير للإناث اللواتي ينشرن بضاعتهنّ على صفحات التواصل الاجتماعيّ، أو اللواتي يُدعيْنَ للوقوف على منابر المراكز الثقافيّة، أو بعض الفعاليات الأدبيّة، وهي في الغالب، مظاهر كاذبة، لأنّ مَن يهيِّئ الصعود لهنّ لا يهمّه من ذلك إلاّ الحضور الأنثويّ، وما يتركه حضور الأنثى من دفء، على أنّ معظم ذلك الإنتاج هو فطير وغير ناضج، ومجرّد تمرينات بدائيّة، ولكنّ ضرورة إقامة النشاط، أيّا كان مستواه، هو ما يجب تأديته، ليُصار إلى تسجيله كنشاط قام به هذا المركز أو ذاك، والحال معروف لدى متابعيه مِن حَمَلة الهمّ الثقافي، وما ورد هو جزء من المقصد لا كلّه، فثمّة غاية أخرى.
لابدّ من الإشارة، مادام الحديث عن المرأة إلى أنّ قسما كبيرا من الحضور الذي تحظى به هو حضور زائف، ولا يغرّنك ما تقرأه من منشورات على صفحات التواصل، والذي لا يمكن النظر إليه على أنّه بمستوى واحد، فثمّة إبداعات حقيقيّة جديرة بكلّ الاحترام، بيد أنّ أكثره فجّ، وقد يحصد مئات الاعجابات لمجرّد أنّ مَن نشرْه (أنثى)، وذلك أحد مظاهر الكبت المُزمِن.
لكي لا نسوق الجميع مساقا واحدا لابدّ من الاعتراف أنّ ثمّة إبداعا أنثويّا رفيع القيمة، في مختلف مجالات الإبداع التي نتحدّث عنها، في الشعر- وإنْ على قلّة- وفي القصّة، وفي الرواية، وفي الفنّ التشكيلي، وفي التمثيل، والقلّة التي ذكرناها شعراً ذات مظهر عام في العالم، فعدد الشاعرات، عبر العصور المختلفة، أقلّ بكثير من عدد الشعراء، وهذا ينطبق حتى على البلدان التي لا تختلف فيها حريّة الرجل عن حريّة المرأة، ولكن هذا لا يُلغي أنّ سبب قلّة الشعر النسائيّ يرجع في (بعض) أسبابه إلى نظرة المجتمع إلى المرأة، وإلى كيف يتعامل معها، وخاصّة أنّ كثيرين حين يقرؤون بوحاً لامرأة، لاسيّما في بلداننا، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهانهم أنّ ما كتبتْه هذه المرأة هو حدَث جرى لها!! بينما لا يكون له الموقف ذاته من الكتابة الذكوريّة، وهذا يعني أنّنا مازلنا مجتمعا ذكوريّا بامتياز، ولا أستثني المتعلّمين والمثقّفين، إلاّ ما ندر.
عند هذه النقطة يمكن القول، دون أن نشطب الفكر التكفيريّ ومرتكزاته، ومسانديه،.. يمكن القول إنّ المرأة في أزمنة ما قبل الإسلام، كانت أكثر حريّة من الأزمنة التي حملتْ ألوان التكفير، والقتل، والخراب، ولا ننس أنّ هذه الدعوات قد وجدتْ أنصارا لها، ودليل ذلك ماثل لا يحتاج إلى أيّ إيضاح، وهو متغلغل لدرجة أنّ العمل على إعادة تأهيل الكثيرين منهم صارت من الواجبات الوطنيّة.
أزمنة ما قبل الإسلام والتي يُطلق عليها إنّها جاهليّة، كانت بنيةً الأسرةُ فيها أشد تماسكا، وأوثق عرى، وكان فيها من مكارم الأخلاق بعض ما حافظ عليه الإسلام.
نعود إلى البوح الأنثوي، فبعض الشاعرات في زمن ما قبل الإسلام صرّحن بأسماء مَن أحببنَ، ولم يُقتلن، ولم يُرمين بفاحشة، فالعواطف البشريّة من حبّ وكره، وميل وافتراق موجودة في الجنسين، فمن الذي أحلّ لك ذلك وحرّمه على المرأة؟!!
سأكتفي بنصّ واحد من زمن ما قبل الإسلام لأم خالد النّميريّة، ورد في عدد من كتب الأدب، وقد قالت تشبّب بأثال الكلابيّ:
إذا ما أتَتْنا الريحُ من نحْوِ أرضِهِ
أَتَتْنـــا بِـــــــريّاهُ فــــطــــــابَ هُبـــــــوبُها
أّتَتْنا بمسْكٍ خالطّ المسْــكَ عَنْبرٌ
وريــــــحُ خُــــــزامى بــــاكرتْها جَنُوبُها
أَحِنُّ لــــــذكــــــراهُ إذا مـــــا ذكـــــرْتُه
وتَنْهَلُّ عــــبراتٌ تَفـــــيـــضُ غُـــــروبُها
حنينَ أســــــــيرٍ نـــــازحٍ شُـــــدَّ قَيْدُهُ
وَإعوالَ نفسٍ غابَ عنها حبيبُها…
aaalnaem@gmail.com