دراساتصحيفة البعث

تعرفة ترامب اختبار للعلاقات الهندية الأمريكية

 

ترجمة: عناية ناصر

عن غلوبال تايمز 7/3/2019

إن اعتبار واشنطن الهند حليفاً أمنياً استراتيجياً لم يمنع واشنطن من فرض سياساتها التجارية المتشدّدة عليها، الأمر الذي يضع الهند أمام خيارات صعبة خاصة في الشأن الاقتصادي، إذ لكل طرف همومه الخاصة، فالهند تسعى لتعزيز اقتصادها، في المقابل تبحث أمريكا عن مطارح لجني الأموال.

يخطّط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء المعاملة التجارية التفضيلية للهند، قائلاً إن الحكومة الهندية “لم تؤكد للولايات المتحدة أنها ستوفر الوصول المنصف والمعقول للسوق الهندية”. على الرغم من أن العالم كان يتوقع تغيّرات جديدة في السياسة التجارية العالمية من قبل الولايات المتحدة، إلا أن قرار ترامب باتخاذ إجراءات ضد الهند فاجأ الكثيرين. يمكن أن توصف مثل هذه الخطوة كصيد في المياه العكرة، فعندما كان يُتوقع من الولايات المتحدة أن تلعب دور الوساطة في وقت ما زالت الهند وباكستان تتصارعان بسبب التوترات الناجمة عن هجوم بولواما.
ستعرّض التدابير التجارية الانتقائية التي اتخذها ترامب ضد الهند الثقة الإستراتيجية المتبادلة بين واشنطن ونيودلهي للخطر. قد يرى البعض أن صادرات الهند إلى الولايات المتحدة في إطار التجارة التفضيلية لا تصل إلا إلى 5.6 مليارات دولار فقط، ولن تغيّر من علاقاتهما التجارية بشكل كبير، لكن تأثير ذلك سيكون جوهرياً. هذه الخطوة تثبت ما قاله الخبراء بأن الهند ستكون الهدف التالي للحرب التجارية الأمريكية.
وفي الواقع، كانت هناك إشارات مبكرة، ففي نهاية شباط عام 2018، بدأت إدارة ترامب التفكير جدياً بشأن فرض التعريفات الجمركية، وأعلنت في آذار عن فرض رسوم على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة.

وتعتقد نيودلهي أن الهند والولايات المتحدة حليفان، فالهند لا تشكل أي “تهديد أمني” بالنسبة لواشنطن من خلال بيعها كمية صغيرة من الفولاذ والألمنيوم بقيمة 240 مليون دولار. ومع ذلك، لم تكن الهند من الدول المعفاة من التعريفات الجمركية التي تمّ الإعلان عنها في أيار الماضي. لقد وجدت الهند نفسها على قائمة مراقبة سعر الصرف للعملة الأمريكية في نيسان 2018. على الرغم من أن المراقبين يعتقدون أن الهند لا تخاطر بوسمها بالمتلاعب بالعملة، ولا داعي للقلق بشأن العقوبات الأمريكية الضخمة على المدى القصير، فإن الخلافات بين البلدين لا بد أن تزيد في ظل السياسات التجارية المتشدّدة التي تنتهجها الولايات المتحدة.
إن  من الأجدى القول إن الأهداف والطريقة التي ستسلكها إدارة ترامب في سياسة التجارة العالمية واضحة، إذ كانت الإدارة تعمل دون كلل على تعزيز الحمائية منذ عام 2018، والولايات المتحدة تطلب من منافسيها، وكذلك من حلفائها مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، وشركائها الإستراتيجيين مثل الهند، تقديم تنازلات حتى عندما تحاول إغلاق أسواق تلك الدول أمام السلع الأمريكية.

لهذا فإن الاختلاف الأساسي بين الهند والولايات المتحدة هو على نهج التجارة العالمية، فالهند تحتاج باعتبارها اقتصاداً ناشئاً إلى حماية صناعاتها الناشئة التي تشارك في التجارة العالمية ودخول الأسواق في الدول المتقدمة بميزتها الأساسية المتمثّلة في انخفاض تكلفة العمالة. ومع ذلك، يعتقد ترامب في الوقت الحالي أن الولايات المتحدة ليست ملزمةً بمساعدة الدول النامية، وتعتمد نهجاً يعتمد على الفوز بكل شيء من مكاسب التجارة الدولية.

إن هذه السياسات تضع الحكومة الهندية في موقف أكثر حرجاً من موقف الصين في النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة، فعلى خلاف ما يحدث في الصين، لا يزال قطاع الصناعات التحويلية في الهند في مراحله الأولية ويحتاج إلى حوافز حكومية قوية. لقد بدأ برنامج “صنع في الهند” الذي تصوّره رئيس الوزراء نارندرا مودي خطواته الأولى، وبعض الصناعات الناشئة غير قادرة على تحمّل المخاطر. تشعر الهند بأنها قد تستثمر بعض المكاسب من الحرب التجارية الصينية- الأمريكية، لكن خطوات ترامب القادمة ستعمق من شكوك نيودلهي تجاه تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة.

في الواقع، منذ تولي ترامب السلطة، ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند بحالة جيدة. فبعد زيارة مودي للولايات المتحدة في حزيران 2017، كانت العلاقات الثنائية تسير بسرعة. في تشرين الثاني من ذلك العام، طرح ترامب مفهوم “الهندي- الهادي”. وقد عرّف الصين على أنها قوة خصم للولايات المتحدة للمرة الأولى في إستراتيجية الأمن القومي التي قدّمها بعد شهر واحد، ورفع من مكانة الهند “كشريك استراتيجي ودفاعي أقوى” في الإستراتيجية الأمريكية الشاملة. كان هذا مكسباً دبلوماسياً كبيراً للهند.

وعدت إدارة ترامب بدعم الهند في سعيها لتصبح قوة عالمية رائدة، وقالت واشنطن إنها ستعطي الأولوية للتعاون الاستراتيجي والدفاعي مع نيودلهي، لكن في ظل هذا الوضع، قامت إدارة ترامب بتقديم سياسة هندية لفصل التعاون الأمني ​​عن الأفضليات التجارية.

قد يكتشف المراقبون أن تقارب الهند مع الصين منذ عام 2018 هو خطوة حكيمة، إذ أنها تمكّن الهند من التحلي بالمرونة في دبلوماسية القوى الكبرى، التي ستكون بطريقة أخرى محصورة في الولايات المتحدة. عندما يتمّ تحويل تهديدات ترامب إلى سياسات، لا بد للهند من الردّ، فكيف سيكون اتجاه العلاقات بين الهند والولايات المتحدة؟!.