العالم الحر من دون زعماء
ترجمة: لمى عجاج
عن واشنطن بوست 7/3/2019
لقد بلغت فكرة العالم الحر ذروتها خلال الحرب الباردة، وكانت المرة الأولى التي ظهرت فيها عبارة “زعيم العالم الحر” في صحيفة نيويورك تايمز عام 1948، ولكن الغريب لماذا استمر العالم في استخدام هذا المصطلح بعد أن أصبحت فكرته خارج السياق، وكيف يمكن للغرب الذي انتهت صلاحيته أن يقود عالماً لا وجود له؟!.
بعد أن كان مصطلح “زعماء العالم الحر” يقتصر على الرؤساء الأمريكيين كما جرت العادة، أصبح الليبراليون الغربيون اليوم المرشحين المحتملين لقيادة العالم الحر، غير أن هناك علاقات حميمة تربط بين ترامب وبين القادة الدكتاتوريين في الغرب، فهم منحازون لسياسته التي يتبعها في إدارة بلاده، ما يجعل من فكرة التخلي عنه أو استبداله احتمالاً ضعيفاً وغير وارد. ويعتبر زعماء بريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا أربعة من أهم الزعماء الغرب المرشحين لهذا المنصب، مع أنهم متورطون في الكثير من الفضائح والمشكلات السياسية التي قد تجعل مصيرهم مرهوناً بالرحيل عاجلاً أم آجلاً، ومن بينهم رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي طاولته هذه الفضائح. ترودو الشاب الوسيم والطليق اللسان الذي لطالما وصفه المجتمع الدولي بالفتى الذهبي، فهو يمتلك شخصية مغايرة تماماً لشخصية الرئيس الأمريكي المتعجرفة والمتهورة.
تعتبر كندا التي تقع على الحدود الشمالية لأمريكا من أكثر دول العالم رتابةً وبروداً في أنظمتها وقوانينها، فعلى الرغم من صعود ترودو إلى الواجهة كزعيمٍ أخلاقيّ للعالم الحر، إلا أنه يواجه اليوم فضيحةً مدويةً تهزّ أركان حكومته وترجح احتمال خسارة حزبه الليبرالي بغالبيته قبيل أشهر من الانتخابات التشريعية. إن الفضيحة التي لحقت بترودو معقّدة وخطيرة، وهي تتمحور حول الاتهامات التي وجّهت إليه
بأن موظفين في فريق ترودو مارسوا ضغوطاً على المدعي العام ووزيرة العدل السابقة جودي ويلسون رايبولد لمنع مقاضاة شركة هندسية كندية كبيرة حيال اتهامات بالتزوير ودفع رشاوى، كما أن قسماً كبيراً من موظفي هذه الشركة من الكيبك المقاطعة الكندية التي ينحدر منها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
لقد أدى تجاهل الوزيرة للضغوط إلى إبعادها عن وزارة العدل، حيث قام ترودو بتبديل حقيبتها من العدل إلى شؤون قدامى المحاربين، كما أن هذه الضغوطات دفعت أيضاً إلى استقالة عضوين بارزين آخرين في حكومة ترودو. إن المشكلة ليست بالفضيحة بحدّ ذاتها وإنما بما سبّبته هذه الفضيحة من زعزعةٍ للصورة التي صنعها ترودو لنفسه، قد تكون هذه الفضيحة بعيدة عن ترودو لكنها استطاعت أن تنال من شخصه كرئيس وزراء كندا، وكشفت القناع عن شخصيته الماكرة التي كان يخفيها وأثارت الجدل حوله، كما أن هذه المزاعم المثارة حوله قد تقوده في نهاية المطاف إلى المجازفة بخسارة منصبه في الانتخابات التشريعية المقبلة.
أما المرشحة الثانية لمنصب زعيمة العالم الحر فهي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي أعربت عن عدم نيّتها خوض غمار الانتخابات المقبلة، عندما أبلغت أعضاء حزبها بأنها باقية في منصبها لقيادة الحكومة حتى نهاية عهدها في 2021 وبأنها ستتخلى قريباً عن هذا المنصب كرئيسة للحزب الديمقراطي المسيحي في مطلع أكتوبر القادم، المنصب الذي تولته قبل ثلاثة عشر عاماً. ميركل تنتمي إلى الحزب اليميني الشعبوي المتطرف، لذلك فإن النهج الليبرالي الذي يستخدمه ترودو في سياسته يتناسب مع السياسة التعددية التي اتبعتها ميركل والتي تدعو إلى ضرورة إيجاد حلول لمواجهة التغيير المناخي، وضرورة التزام الحكومات بمسؤوليتها في حلّ مشكلة اللاجئين وتوفير ملاذٍ آمنٍ لهم ودعمها للاتحاد الأوروبي، ما دفع مجلة “بوليتيكو” إلى عنونة مقالها عن اللقاء الذي جمع بينها وبين ترامب عام 2017 تحت اسم “زعيمة العالم الحر تلتقي بالرئيس ترامب”. ففي عصر ترامب الداعي إلى “أمريكا أولاً” أخذت ميركل اتجاهاً مختلفاً نحو القضايا العالمية، والفترة التي ترأست فيها ميركل الحكومة كانت زاخرة بالأحداث مما دفعها للإعلان عن عدم رغبتها بالترشح وعكس حجم الملل من سياستها الوسطية البشوشة. وعلى ما يبدو أن زعامة العالم الحر ليست في بالها.
أما المرشح الثالث فهو حليف أنجيلا ميركل الأبرز في أوروبا، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي يواجه بدوره تحديات مماثلة تتمثّل في احتجاجات السترات الصفراء، أو ما يُعرف بالفرنسية بـ(جيليت جاونز)، وهي حركة احتجاجات قامت ضد ما يُسمّى بالنخبة، مطالبين بتغيير حكومي جوهري. تعرضت فرنسا عبر تاريخها لكثير من الثورات لكن الغضب الذي أظهره الفرنسيون تجاه ماكرون كان غير مسبوق، وهو لا يتعلق بسياسته فقط بل بسلوكه وتصرفاته واللهجة التي يستخدمها، فسياسات ماكرون كانت مثقلة برغبته في التقرب من ترامب وتعزيز علاقاته معه، وهذا تماماً ما أرادته تيريزا ماي التي ظنّت أنها تستطيع أن تكسب ودّ ترامب عندما هرعت للقائه مباشرةً عقب انتخابه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية في 2017، ولكن اللقاء كان مخيباً للآمال وأظهر ماي بمظهر الضعيفة المتذللة لترامب. فقد ظلت أزمة البريكست قائمة دون أية حلول وعلى الأغلب لن يكون هناك حلّ لمعضلة تيريزا ماي الكبرى ” البريكست”، ولكن الجيد في الموضوع أن ماي لم تضطر بعد إلى ترك منصبها فهي لا تزال إلى الآن في مكتبها.
ليس هناك ما يشير إلى أن أحداً من هؤلاء القادة قد يحصل على لقب زعيم العالم الحر، وعلى ما يبدو أن المنصب بحدّ ذاته لا وجود له.