سورية أقرب إلى استعادة الجولان
لا تعكس تصريحات ليندسي غراهام عضو مجلس الشيوخ الأمريكي حول الجولان العربي السوري المحتل إلا مستوى الاهتراء الذي وصلت إليه طبقة سياسية أمريكية باتت تعتاش على بيع المواقف وإطلاق التصريحات مدفوعة الثمن في عالم من عولمة المتاجرة؛ ولا يذكر هذا الصعود والهبوط الأمريكي في استخدام لغة الحسم وتعميم العبارات النارية، على صعيد السياسة الخارجية خاصة، إلا بروما القديمة في أشد أطوارها تهالكاً وانحطاطاً، حيث القرار الامبراطوري ضحية الطغمات المتصارعة، وحيث اللوبيات تقبض بيدها على مقاليد صناعة القرار من خلال أذرع مالية ضاغطة ومتمدّدة في كل الأوساط والمستويات السياسية والأكاديمية والدينية، وحيث سياسة المتروبول “العالمية”، سلسلة من الإخفاقات والرهانات الفاشلة والتعبير الفج عن عقلية التربّح بكل ما تنطوي عليه من خفّة وحس استخفاف وخضوع لاستبداد النزعة التدميرية، ومن قطيعة عن الحقائق المستجدّة والمتنامية.
فالنخبة السياسية الأمريكية التقليدية تبدو في عجز تام عن استيعاب ما حدث – ويحدث – في الشرق الأوسط، ولا سيما خلال السنوات الثماني الأخيرة، بل وتتعنّت في قراءة التطوّرات العسكرية والأمنية في المنطقة، وتمارس مكابرة غير مسؤولة حيال استيعاب دروس سنوات النار السورية خاصة، إذ لا مناص من الاعتراف بأن موازين القوى تغيّرت، وأن قواعد الاشتباك تغيّرت معها، وأن المثابرة على العيش في الماضي تنذر بأوخم العواقب الإقليمية، وأن “إسرائيل” اليوم هي أبعد عن القدرة على ضم الجولان من أي وقت آخر، وأن سورية اليوم أقرب إلى استعادة الجولان من أية مرحلة ماضية، وأن أمريكا أعجز من أن تملي مبادرات أو مسارات أو سياسات أحادية الطرف، وأن سيناتورات من أولئك الذين يتمّ شراء أصواتهم ومشاريع قراراتهم بأقل من ألف دولار – كما تتحدّث الصحافة الأمريكية بنفسها – لا يمكن أن يقرّروا مصير شعب أو مستقبل أرض محتلة!!
خدم غراهام كنوع من مطيّة مريحة سوف يكون بوسع نتنياهو امتطاؤها عشية مؤتمر “إيباك”، وقبيل أسابيع معدودة من انتخابات “الكنيست”، ليتكشّف رئيس الوزراء الإسرائيلي كنسخة مشوّهة عن ترامب، في يمينيته وشعبويته الفجّة، وفي استماتته للفوز في الانتخابات، أولاً وقبل كل شيء، كمصلحة شخصية تتفوّق على أية مصالح أخرى، ومهما كان ذلك ليجر من تداعيات وعواقب خطيرة على الاستقرار في المنطقة. لقد فشل نتنياهو في إقامة المنطقة العازلة، ولم تتمكّن واشنطن من الدفاع عن مرتزقتها في جنوب سورية، وسنوات الحرب لم تستطع إحداث أي تغيير في الطابع الميداني والقانوني للجولان السوري المحتل، ولن تستطيعه سنوات ما بعدها، وأن أية محاولة لجر الإدارة الأمريكية لـ “الاعتراف” بالسيادة الإسرائيلية على المرتفعات السورية المحتلة لن تضيف إلا فشلاً جديداً لرصيد الفشل الأمريكي في الشرق الأوسط، ولن تندرج إلا في سياق المبادرات والمشاريع التي تموت في مهدها، و”صفقة القرن” آخر شواهدها.
يخطئ الأردوغانيون والنتنياهويون كل الخطأ عندما يعمدون إلى تضمين حملاتهم الانتخابية رسائل ومزايدات انتهازية ورخيصة ارتداداتها الداخلية هي أخطر بما لا يقاس من نتائجها المباشرة، والأفدح خطأ أن ينجر بعض المتصهينين الأمريكيين للعب بالنار من خلال تبني السياسات النتنياهوية الأنانية وقصيرة النظر، فسورية اخترقت جدار التفوّق المزعوم وتمكّنت من صياغة التوازن الاستراتيجي، وخرجت من مرجل السنوات الماضية أكثر قوة وأشد صلابة، وهي لن تتردّد في استخدام كل الإمكانات والوسائل المتاحة لتحرير أرضها المحتلة والسليبة.
بسام هاشم