مشهدية ثقافية تعزز إرادة الحياة والعيش المشترك
بعد سنوات عجاف مرت على محافظة حمص وتسببت بتدمير العديد من أحيائها وقراها، وتهجير سكانها، وتعطيل الحياة الثقافية والاجتماعية فيها، بدأت هذه المحافظة المترامية الأطراف المتعددة الأطياف تشهد في الآونة الأخيرة خطوات ما بعد لملمة الجراح لتدخل في طور التعافي والانطلاق نحو حياة جديدة تتجلى في الكثير من الأنشطة الأهلية المختلفة لاسيما الثقافية بكل أشكالها الأدبية والفنية والاجتماعية، متمثلة بمشاريع ثقافية وملتقيات أدبية وفرق موسيقية وراقصة، بدأت ثمار جهودها تأتي أكلها في خلق حالة تفاعلية بين الناس والأماكن الثقافية العامة والخاصة. وننطلق هنا من مشروع المدى الثقافي التطوعي الذي انطلق عام ٢٠١٦ بمبادرة من المهندس رامز حسين وجهود نخبة من الشباب السوريين وانتشر في محافظات عدة،وهو مشروع يهتم بتفعيل دور الثقافة في المجتمع واستقطاب الطاقات الشابة ضمن اطر إبداعية تنمي العقل والوجدان بالمفاهيم الجمالية والفنية، وتكرس التشاركية والعمل الجماعي في المجتمع، عبر إقامة العديد من المعارض الفنية والنشاطات الثقافية والرحلات الاستكشافية والترفيهية.
وتألق في هذا المضمار أيضا، دير الآباء اليسوعيين في حمص القديمة الذي عاد إلى نشاطه الثقافي الهام، بعد ترميم ما خربه الإرهاب في الدير القديم وتحويل ساحته الواسعة إلى مكان لإقامة العروض السينمائية، والمعارض الفنية والندوات والمحاضرات المتنوعة، وقد شهدت هذه الساحة عرض العديد من أفلام المؤسسة العامة للسينما التي استقطبت جمهورا عريضا من الشباب على وجه الخصوص.
وبمبادرة من مجموعة من الكتاب لخلق حالة تفاعلية وتشاركية تشجع على القراءة والتواصل مع الكتاب،تم تأسيس “نادي القراءة” وفيه يجتمع مجموعة من القراء حول قراءة كتاب معين، تحضيرا لملتقى ثقافي يتم فيه مناقشة الكتاب من وجهات نظر متعددة، ويتم ذلك بشكل دوري، وقد استقطب النادي العديد من الكتاب والمثقفين وعشاق القراءة ومهد لحراك ثقافي تفاعلي هام.
كما شهدت السنوات الثلاث الأخيرة ظهور العديد من الفرق الموسيقية والفنية، وإعادة أحياء بعضها الآخر بعد سنوات الحرب المريرة، ومن هذه الفرق برزت فرقة”إحساس”للرقص التعبيري التي تأسست عام ٢٠٠٥ على يد مدربة الرقص سوسن الفاحلي هذه الفرقة التي عادت لتتألق من جديد في العديد من الحفلات التي أحيتها في حمص ودار الأوبرا بدمشق واللاذقية وغيرها.
وأيضا فرقة “شام للتخت الشرقي” بقيادة عازفة العود غيثاء النقري التي استقطبت مجموعة من عازفات التخت ومغنيات يتمتعن بأصوات جميلة، لتنطلق من مسرح دار الثقافة عام 2016، ومنها لإحياء حفلات في مهرجانات عديدة داخل المحافظة وخارجها.
وفرقة “خوابي” الموسيقية المؤلفة من تسعة عشر عازفا ومغنيا بإدارة عازف العود محمد هلول، وفرقة”أميسا” التي تأسست قبل خمس سنوات بمبادرة من بعض خريجي كلية الموسيقى بجامعة البعث. وفرقة”فينوس” التي تأسست العام الماضي من عشرين عازفا ومغنيا أكاديميا بقيادة عازف الاورغ طوني عوض، وغيرها من الفرق التي رسمت مع المبادرات الأخرى مشهدية ثقافية مميزة تنم عن محبة أبناء هذه المحافظة وعشقهم للحياة التي أشعلوا شموع عتمتها لتحدي الأسى والجراح التي عمت كل بيت، و لتؤكد انتصار إرادة الاستمرار والصمود على مشاريع الموت القادم من كل الجهات، حتى وأن لم يكتب لها الاستمرار لأسباب عديدة، ربما أولها، إلحاح متطلبات العيش وطغيانها على كل ما عداها،فإنها تبقى مدماك الأمل المحكومين به.
آصف إبراهيم